آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

الخيارات الصعبة

محمد أحمد التاروتي *

تحديد الخيارات الصائبة مرتبطة أحيانا بوضوح الرؤية، والقدرة على القراءة الدقيقة للأوضاع، بالإضافة لامتلاك الدراية الكاملة للجوانب الظاهرية والخفية للمشاكل، فضلا عن وجود عناصر قادرة على تحريك الأوضاع في الاتجاهات المناسبة، الامر الذي يفضي لحالة من الارتياح النفسي، والقدرة على تصويب الأمور بالمسارات المرغوبة، مما ينعكس على تجاوز الكثير من الامتحانات الحياتية الصعبة، التي تواجه أصحاب القرار، وكذلك الامر بالنسبة لمعالجة الأمور الحياتية الخاصة لمختلف الأشخاص.

توافر تلك العناصر الأساسية ليست متاحة للجميع، مما يجعل عملية الاختيار الصائب غير متاحة في الغالب، بحيث تترجم على اشكال عديدة، بعضها يتمثل في الضياع وسط قرارات ارتجالية، والبعض الاخر التخبط في جميع الاتجاهات، بهدف الاسترشاد للقرارات الصائبة، حيث تتجلى تلك الصعوبة في الانتقال من قرار لاخر، دون القدرة على استكمال متطلبات القرارات السابقة، نظرا لاكتشاف صعوبة تطبيقها، او عدم القدرة على المواصلة حتى النهاية.

القدرة على التمييز بين الخيارات الصعبة والحاسمة، والأخرى السهلة والمتأرجحة، احدى الملامح الأساسية في عملية قيادة سفينة القرارات نحو بر الأمان، لاسيما وان الساحة الاجتماعية ليست حقل تجارب، او قادرة على تحمل تبعات القرارات الخاطئة، مما يفرض وضع جميع الاحتمالات في الحسبان، بهدف تفادي ردات الفعل العنيفة من لدن الأطراف المناوئة، الامر الذي يستدعي تحريك الأمور في جميع الاتجاهات، لرسم سيناريوهات مختلفة وكثيرة، من اجل الوقوف على افضل السبل، واختيار القرارات المناسبة، لاسيما وان التمييز في بداية الأمر يكون اجدى من الانتقال بشكل عشوائي بعد وقوع الفأس في الرأس.

التخبط في اتخاذ القرارات، وعدم القدرة على القراءة الواعية، لأهمية التوقيت المناسب، لتوجيه الخيارات المناسبة، عناصر أساسية في السقوط المدوي في عملية المعالجات الواقعية لمختلف القضايا الشائكة، خصوصا وان الاستقرار النفسي والقدرة على المواجهة في احلك الأوقات، عوامل أساسية في إبقاء الأمور تحت السيطرة، والحيلولة دون التوجه نحو الخيارات الفاشلة، لاسيما وان عملية الاهتداء للخيارات المناسبة ليست صعبة في الغالب، ولكنها بحاجة الى الهدوء وعدم الانفعال، وفقدان التوازن الداخلي والخارجي، وبالتالي فان الضياع وفقدان التركيز يدفع باتجاه اتخاذ القرارات الفاشلة، وغير القادرة على تحديد بواطن الخلل، الامر الذي ينعكس على جملة الخيارات المصيرية المتخذة.

القناعات الذاتية بصوابية الخيارات عنصر واحد، ضمن مجموعة عناصر تحيط بمختلف القضايا الإشكالية، فالاصرار على تبني القناعات الخاصة، ليس خيارا صائبا في الكثير من الأحيان، جراء غياب الكثير من العوامل الأخرى، التي تساعد في معالجة تلك القضايا الجوهرية، مما يستدعي وجود فريق مساند يمتلك القدرة على تفكيك القضايا، بما يسهم في وضع الأمور في المسارات السليمة، لاسيما وان السير وراء القناعات الذاتية وعدم الالتفات لوجهات النظر الأخرى، يفضي لحالة من ”الفوضوية“ و”الدكتاتورية“ الفردية، الامر الذي يحدث حالة من الانفصام التام بين المعالجات الواقعية والحلول الترقيعية، وبالتالي فان العمل على تشكيل الأجواء الثقافية لتبادل الآراء، والوقوف في وجه ”الحلول الفردية“، يخلق حالة من التوازن الداخلي والخارجي لدى أصحاب القرار، فيما يتعلق بالاليات المتخذة لدراسة مختلف القضايا، من خلال النظر للامور بشكل جماعي، والتخلي عن القرارات الفردية ذات الصبغة ”الفوضوية“، او النابعة من القناعات الذاتية المشوشة.

الخيارات الصعبة تحمل في طياتها بعض المتاعب في البداية، ولكنها ستفضي الى الارتياح الكامل في نهاية المطاف، انطلاقا من قاعدة ”وجع ساعة ولا كل ساعة“، وبالتالي فان محاولة السيطرة على الأمور باتخاذ القرارات الصعبة، يكشف عن إمكانيات واستعداد تام لتحمل تبعات تلك الخيارات، سواء على الصعيد الذات او الاطار الاجتماعي، مما يسهم في خلق المناخ الملائم للتعاطي مع القضايا الكبرى بطريقة مناسبة، عوضا من الخيارات المؤقتة التي تفضي لتفاقم الأمور مع مرور الزمن.

كاتب صحفي