آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

مع علي في الغدير إطلالة المنهج والمقتدى

ما معنى أن يكون أمير المؤمنين مقتدى لك ومنهجا لك تسير على خطاه وتترسم معالم سيرته العطرة في حياتك؟

من المهم تحديد معنى القدوة حتى يتسنى لنا فهم الدور الذي نؤديه وفق ما كان عليه العبد الصالح الذي ملأ ما بين الخافقين من فضائل وصفات حميدة، فمن كان إمامه علي فهذا يعني أنه صاحب حصافة عقلية ووعي في التفكير ينظر من خلاله للأمور والمفاهيم والأفكار بنظرة ثاقبة، وأما من ادعى الولاء له وهو يعاني من غيبوبة فكرية وبلاهة وسطحية في تصوراته فهو بالتأكيد واهم ولما يطلع على جوانب من حياة هذا البطل الهمام، وكذلك على مستوى السلوكيات والتصرفات فلابد في تحقيق التأسي من حمل علائم الخلق الرفيع ونزاهة النفس والتجافي عن دار الغرور والاستقامة المتعالية على النزوات، وأما الثمل من سكر الشهوات والمعاقر للنقائص والعيوب فهو يسير بالاتجاه المعاكس لسيرة الإنسان الكامل، الذي جعل رضا المعبود نصب عينيه ولازم المروءة والطهارة فلم يدنس نفسه يوما بميل نحو هوى أو ركون لوسوسة شيطان رجيم بل عاش الطهارة والعصمة.

علينا أن نعي تلك المعية مع علي بن أبي طالب حتى لا تأخذنا الصورة المشوشة للولاء له، فأن تكون مع علي فهذا يعني ملازمة الوعي والنضج وطلب التنمية لمدارك العقل والمهارات الفكرية للتعاطي مع الواقع وما يطرح فيه من أفكار مسمومة، وأن تكون مع هذا العظيم في صفاته ومواقفه فذلك يعني مجاهدة للنفس ومحاسبتها على كل ما يصدر منها؛ حتى يتجنب الهفوات والزلات ويمضي مجدا وقد مسح من سجل أعماله أخطاء الماضي، فلا يتصورن أحد أن التأسي بنهجه ومبايعته تتشكل بكلمة يتفوه بها وينطقها لسانه دون أن تحمل ترجمة لها من واقع حياتنا، فعلي امتداد مشرق يخترق الزمان والمكان ليكون قطب رحى ثابتة تتجدد مع إشراقة كل يوم جديد؛ لتعلن وجود النفس الطاهرة التي لا تدنسها المعاصي والعيوب.

الثبات على نهج الهدى والحق يعني تنظيف النفس من الميول الشيطانية بنحو مستمر، والذي يتسلل إليها من المطامع في زخارف الدنيا الواهية وطلب الحظوة من متاعها الزائل، وكما تكون الحصانة النفسية من الأهواء كذلك تحصن العقول من الشبهات والفتن التي تعصف بالمجتمعات والفرد، وحصانة المشاعر من السلبية والنظرة الدونية للغير حتى تستفحل وتتكاثر لتتحول إلى كراهيات وأحقاد مدمرة، فهل قرأت في سيرة الإمام علي إلا التسامح والمغفرة لمن أساء له، فعلي عنوان الصفح والسمو والعلياء عن أذية حتى من تسبب له بأذية وهكذا هي سيرة أتباعه.

معية أمير المؤمنين تعني التزاما والتصاقا بالحق والوقوف في وجه الباطل مهما تشكلت وتنوعت ألوانه، فعلي وضع مبدأ الصداقة والقرب منه التزام العدل وتجنب الجور وهضم حقوق الآخرين، وإن تفرق الناس من حوله بحسب أهوائهم ومصالحهم الضيقة المتعارضة مع المدافع عن الحق والعدالة .

من كان على نهج علي امتلك بصيرة واضحة بحقيقة الدنيا الزائلة، فتمسك بمكارم الأخلاق والكمال الإنساني بالابتعاد عن الرذائل والعيوب وما يستوجب ويلحق العيب والنقص به، واكتفى من نعيمها بمستلزمات الحياة الكريمة وتجنب الجشع والطمع واللهث المستمر خلف زينتها وشهواته، فيكفي نظرة متأمل لسيرة من كانوا مع علي وأحاطوا به إحاطة السوار للمعصم في أخلاقه وعبادته ونزاهة نفسه وعدالته، فكانوا نهج الصلابة في الحق والتمسك به والطلب الدائم لرضا المعبود، فما هابوا يوما ظلم أحد ولا قسوة ظروف الحياة لما حوته قلوبهم العامرة من الإيمان بالله عز وجل والطمأنينة بتدبيره لأمورهم وفق حكمته، فكانوا هامات التواضع والزهد والعبودية الحقة مع الله تعالى والمعرفة المثمرة للنضج والوعي.