آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

الوعي المسؤول

محمد أحمد التاروتي *

مسلسل ضحايا كورونا مستمر نتيجة عوامل عديدة، بعضها مرتبط بعدم قدرة الجسم على مقاومة الفيروس، جراء انخفاض مستوى المناعة، والبعض الاخر ناجم عن انعدام المسؤولية والاستهتار، وعدم الالتزام بقواعد الإجراءات الاحترازية، فيما البعض الثالث ناجم عن السير وراء الشائعات، وعدم المسارعة لاخذ اللقاحات المضادة، مما يجعل الجسم غير قادر على الانتصار على الفيروس، وحدوث انتكاسة صحية.

سيطرة الثقافة الاستهتارية في عقول بعض الشرائح عملية خطيرة، وتنم عن قصور كبير في التعاطي مع الأمور بمسؤولية، وانعدام القدرة على الاختيار الصائب، فهناك العديد من الشرائح تحاول بث ثقافة الاستهتار في البيئة الاجتماعية، من خلال الترويج بعض النظريات ”الواهية“، ومحاولة اسقاط القناعات الذاتية على الكثير من الأمور الخارجية، الامر الذي يتمثل في محاولة رسم سيناريو غريب وغير منطقي، بهدف توسيع دائرة تلك القناعات لدى بعض الفئات الاجتماعية، سواء لأغراض شخصية بحتة، او كمحاولة لاثبات الذات في الوسط الاجتماعي، الامر الذي يتمثل في تسخير كافة الإمكانيات في تكريس القناعات الذاتية، في الواقع الاجتماعي الخارجي.

وجود شرائح اجتماعية ذات توجهات معاكسة للمنطق العلمي والعقلاني، ليس مستغربا على الاطلاق، نظرا لاختلاف المستويات الثقافية من جانب، وانعدام الأدوات القادرة على امتلاك المعلومة الصحيحة من جانب اخر، الامر الذي يتمثل في الوقوع في الأخطاء الكارثية التي يصعب معالجتها، خصوصا وان التوجهات المعاكسة للرؤية العقلانية تقود الى ”التهلكة“، والدخول في نفق مظلم يصعب الخروج منه، نظرا لوجود الكثير من الألغام التي تعترض طريق الوصول الى شاطئ الأمان، بمعنى اخر، فان محاولة تبرير المواقف المعاكسة للمنطق العلمي ليست قادرة على الخروج من المأزق الذاتي، خصوصا وان الصحوة تأتي بعد ”وقوع الفأس في الرأس“.

ثقافة الاستهتار، وعدم المبالاة للعواقب الوخيمة الناجمة عن بث المعلومات الخاطئة، لا تقتصر تداعياتها على أصحابها، ولكنها تتجاوز الاطار الجغرافي المحدود، لتشمل العديد من الشرائح الاجتماعية، لاسيما وان خطورة هذه الثقافة تكمن في قدرتها على التسلل في اللاوعي الاجتماعي، مما يجعلها جزءا اصيلا من الممارسات اليومية، بحيث تتجلى في عملية الوقوف بقوة في وجه التيارات الداعية، لاستخدام العقلاني في التعاطي مع التحديات الصحية، لاسيما وان فتح الباب امام ثقافة الاستهتار يقود لمصائب كبرى، بحيث تتمثل في تزايد طوابير الموتى بشكل يومي، جراء وجود ثقافة غير قادرة على تصويب الكرة نحو الهدف، ومحاولة العبث بارواح الناس بطريقة غير واعية، وغير مبررة على الاطلاق.

وقوف بعض حملة الشهادات العلمية لجانب الثقافة الاستهتارية، يدعو للاستغراب ويدفع للتساؤل بشأن الغايات الحقيقية، وراء قيام هذه الشريحة ببث المعلومات الخاطئة، والعمل على استقطاب بعض الشرائح الاجتماعية، للوقوف في وجه الحقائق العلمية، خصوصا وان التداعيات المترتبة على تكريس ”الاستهتار“ في الممارسات اليومية، ليست خافية على الجميع، حيث تترجم على شكل استمرار الضحايا بشكل يومي، اذ ما تزال وسائل الاعلام تتناقل يوميا سقوط الالاف من الأشخاص، فريسة سهلة في فخ فيروس كورونا، الامر الذي يستدعي إعادة النظر في قناعات زائفة، ليست قادرة على الصمود في وجه الحقائق العملية.

جائحة كورونا كشفت الهوة الكبرى بين المنطقة العلمي، والثقافة الاستهتارية، فالكثير من الأمور باتت واضحة للعيان، ويصعب تغطيها بالغربال، مما يستدعي التحرك الجاد لاعادة الأمور للوضع السليم، من خلال قطع الطريق امام الفئات الساعية لاستمرار مسلسل المعاناة، التي يكابدها المجتمع البشري جراء الترويج للعديد من الخرافات، خصوصا وان استمرارية ضحايا كورونا يفند تلك الخزعبلات، التي يسعى أصحابها لتكريس الوعي الاجتماعي باشكال مختلفة.

يبقى الوعي المسؤول طوق النجاة، لمواجهة مختلف اشكال الثقافات الاستهتاريةً التي تحاول فرض هيمنتها على الواقع الاجتماعي، من خلال الترويج للكثير من النظريات الواهية، التي تفتقر للكثير من الدعائم على الأرض.

كاتب صحفي