آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

الحلول الوسط

محمد أحمد التاروتي *

”حفظ ماء الوجه“ وسيلة عملية لاخراج جميع اطراف النزاع من مأزق الانكسار، اعطاء شعورا بالانتصار وعدم الإحساس بمرارة الهزيمة، فالحلول الوسط تأخذ في اعتبارها الكبرياء الذاتي لدى الفرقاء، مما يدفع للبحث عن نقاط الالتقاء، والتحرك باتجاه كسب موافقة كافة الأطراف على بنود الاتفاق، خصوصا وان ترجيح كفة على أخرى يعرقل التوصل الى صيغة مشتركة، مما يحول دون في إرضاء الكبرياء الذاتي لكافة اطراف الصراعات على اختلافها، الامر الذي يحرك بعض الأطراف لمحاولة البحث عن مخارج قادرة على صياغة ”لا انتصار ولا هزيمة“.

عملية الوصول الى صيغ مقبولة لاطراف الصراع، تتطلب جولات ماراثونية من المفاوضات، والكثير من النقاشات سواء بصورة مباشرة او عبر وسطاء، خصوصا وان الخشية من الهزيمة في المفاوضات تدفع لحالة من التعنت، واستخدام المهارة التفاوضية والعمل على وضع جميع العبارات تحت المجهر، الامر الذي يفسر استمرار الكثير من المباحثات لسنوات عديدة، والبعض الاخر يتطلب قدرة فائقة على تقطيع الوقت، وعدم الاستعجال في جني الثمار، لاسيما وان عملية التحرك لحفظ ماء الوجه تستدعي امتلاك الدراية الكاملة بمختلف التفاصيل، من اجل تفادي الوقوع في الخديعة، والفشل في اتقان فن ”حفظ ماء الوجه“.

الكثير من الجولات التفاوضية تصاب بانتكاسات سريعة، نظرا لعدم وجود الإرادة الصادقة بتقاسم الغنائم، ومحاولة الاستحواذ على الكعكة، سواء نتيجة الشعور بالقوة وامتلاك القدرة على اخضاع الأطراف الأخرى للشروط، او نتيجة عدم وجود الثقة في الأطراف المناوئة، مما يدفع للتشدد والتعنت في المواقف منذ البداية، لاسيما وان اللعبة التفاوضية تتطلب رفع سقف المطالب، تمهيدا للنزول الى الأهداف المرسومة، وبالتالي فان الجولات التفاوضية الأولى تشهد حالة من التشنج والتصلب في المواقف، جراء انعدام الثقة وعدم القدرة على قراءة النوايا الصادقة، مما يستدعي التحرك بحذر للحيلولة دون الوقوع في الفخ، وتفادي الخروج من الجولات التفاوضية بهزيمة واضحة.

التحرك باتجاه الحلول الوسط يمثل الهدف الاسمى في غالبية المفاوضات، فالمحاولات لفرض الإرادة على الأطراف المناوئة مصيرها الفشل في الغالب، خصوصا وان كل طرف يحاول استخدام الأوراق الرابحة، والعمل على ممارسة الضغط للحصول على التنازلات، مما يعزز موقفه التفاوضي، وبالتالي تحقيق الانتصار في الجولات التفاوضية، بمعنى اخر، فان البحث عن الانتصارات التفاوضية عملية غير واقعية في كافة الاجتماعات المصيرية، لاسيما وان تحقيق الانتصارات في الجولات التفاوضية مرتبط بامتلاك الأوراق الأرباح، بيد ان عدم قدرة احد الأطراف على حسم المعارك في ساحة الميدان، يدفع نحو الاتجاه لطاولة المفاوضات، مما يجعل جميع الأطراف على مسافة واحدة، وبالتالي فان اظهار المهارة التفاوضية عملية أساسية للحصول على التنازلات، ومحاولة الخروج باقل الخسائر، الامر الذي تحاول كافة الأطراف ممارسته منذ البداية، فامتلاك المهارات التفاوضية لدى مختلف الأطراف يعزز الاتجاه نحو الحلول الوسط، نظرا لعدم قدرة جميع الأطراف على انتزاع التنازلات من الأطراف المناوئة.

وجود الرغبة الصادقة للتوصل الى صيغة مشتركة ترضي كافة الأطراف، مدخل أساسي للمساعي الهادفة لحفظ ماء الوجه لدى الجميع، فالاطراف الصادقة تحاول تقريب وجهات النظر، والعمل على خلق الأجواء المناسبة لصياغة الاتفاقيات بالطريقة المناسبة، خصوصا وان القناعات الراسخة بضرورة تحكيم العقل، واستبعاد كافة نقاط الاختلاف، يساعد في وضع الأمور في المسارات السليمة، مما يعزز الثقة لدى الأطراف المتصارعة، بحيث يترجم على العديد من الممارسات في الصعيد الخارجي.

تبقى الحلول الوسط عنصر جامع وعامل أساسي، في تجميد مختلف الصراعات، نظرا لقدرة هذه الصيغة في الخروج من المعركة بشعور الانتصار، وعدم الإحساس بالهزيمة، خصوصا وان كل طرف يحاول تفسير تلك الحلول بطريقته الخاصة، مما يساعد في تبرير المواقف تجاه البيئة الحاضنة، لاسيما وان اطراف الصراع تضع في الاعتبار ردود الأفعال العنيفة، تجاه الاتفاقيات التي تحمل في طياتها نقاط توحي بالهزيمة.

كاتب صحفي