آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

المنبر الحسيني وتطلّعاتنا

محمد يوسف آل مال الله *

لم يبقى من السنة الهجرية الحالّية 1442 هـ إلاّ يومان وتبدأ المجالس الحسينية العاشورائية بالحراك وتعج المجالس بالمستمعين كما عهدناها، إلّا أنّنا سنشهد هذا العام الجديد 1443 هـ حضورًا يكاد يُعدّ على الأصابع لما تمر به المنطقة والعالم من جائحة عظيمة لم تأفل مخاطرها ولم تندحر سمومها حتى اليوم.

كلّنا يعلم بالاحترازات المطلوبة والتوجيهات الحكومية المفروضة والتي من شأنها المحافظة على الأفراد والجماعات من الإصابة بفيروس كورونا اللعين ومحاصرته وعدم انتشاره في المجتمع ومن تلك التوجيهات تحديد عدد الحضور في المجالس، ما يتطلّب التعاون مع القائمين عليها لما له من مصلحة كبيرة وعامة. هذا من جانب.

الجانب الآخر هو فيما يتعلّق بالاستعداد النفسي والروحي لكل فرد منّا. ماذا أعددنا لأنفسنا وماذا نرتجي من حضورنا في تلك المجالس؟ هل أعددنا الأرضية المناسبة لنغرس فيها تلك القيم والمبادئ والأهداف التي سطّرتها ملحمة الطف؟ هل أصبحت القلوب والأرواح مشدودة إلى تلك الملحمة وتتطلع إلى ريّها بدموع الحرقة والحزن والأسى؟ هل نحن مستعدّون لنجني ثمارًا جليلة مستدامة أم ندع الأعاصير من الأهواء والنزوات والمناكفات غير المسؤولة تدّمرها وتقضي عليها؟

إنّنا أمام محطات دينية وتربوية وثقافية واجتماعية نستطيع أن ننهل منها كل ما نحتاج إليه من قيم ودروس لنبني بها شخصيات سامقة وحصونًا باسقة ومجتمعات شامخة نفخر بها أمام المجتمعات الأخرى.

هناك مَنً سيُقلل من كفاءة الخطباء وآخرون سيثيرون المواضيع التي من شأنها زعزعة الوسط الشيعي لأغراض دنيوية أو فقط من أجل تسجيل حضور وإثبات وجود من باب ”خالف تُعرف“. نعم، نحن نتطلّع إلى مجالس حسينية تعكس المقام الرفيع للمنبر الحسيني والمستوى العالي الذي قدّمه ومازال يقدّمه، فالهدف الأسمى هو بناء الشخصية القوية القادرة على بناء مجتمع تسوده الألفة والمحبة والتعاون والازدهار العلمي والثقافي.

نعم، نحن نتطلع إلى مواضيع قوية تواكب العصر والعولمة وتحاكي الحاجات الماسة للفرد والمجتمع والتي من شأنها رفع المستوى الديني والعلمي والثقافي وتجعلنا على قدر من المسؤولية الدينية والمجتمعية وتخلق في أنفسنا روح المبادرة والعطاء والسمو والتنافس وكلّها قيم سطّرتها ملحمة الطف عبر فصولها التي تزخر بكل القيم الإنسانية والدينية.

ملحمة الطف غنيّة بالقيم والمبادئ والأخلاقيات التي يحتاجها كل فرد يعيش على هذه المعمورة بغض النظر عن معتقداته، فملحمة الطف عالمية وأهدافها وقيمها ورسالتها متكاملة وشاملة، لا تقتصر على جماعة من المسلمين دون غيرهم، ما يجعل المسؤولية على عاتق الخطباء كبيرة وعظيمة، إذ لم يعد الخطاب موجه لفئة من الناس دون غيرهم في ظل وجود الفضائيات وبرامج التواصل الاجتماعي.

أصبح العالم اليوم قرية واحدة يتبادلون خلالها العديد من الأمور والمواضيع وهناك مَنْ يبحث عن الثغرات ويتصّيد الأخطاء، المقصودة منها وغير المقصودة، ويتحيّن الفرص لبث السموم في المجتمع المسلم وضرب القيم الدينية والإنسانية من خلال نقاط الضعف في الخطابات والمواضيع التي تُطرح من على المنابر الحسينية وخصوصًا تلك التي تتطلب التخصصات العلمية، فحري بالخطباء توخي الحذر والعمل على التحضير المتكامل وسد الثغرات التي قد يدخل منها مثل أولئك الأشخاص.

المنابر الحسينية ورسالاتها أمانة في أعناق مَنْ يصعد عليها ويتكلم باسمها، فلا تضيع بين أيديكم واجعلوها المنهل الذي يستضيء به العالم أجمع.

عظّم الله أجوركم وأحسن الله عزاءكم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.