آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

ملحمة الطف منهل للتغيير

محمد يوسف آل مال الله *

عند قراءة ملحمة الطف قراءة تحليلية، نجد أنّها ذات بُعدين أساسيين، البعد العسكري والبعد الإنساني بكل ما تحمل الكلمتان من معنى، فالبعد العسكري لا يحتاج إلى شرح إذ يكفي أن نقول أنّه لا يوجد تكافؤ بين الفريقين من حيث العدد والعتاد، وهذا ليس ما نصبوا إليه في هذه المقالة. ما يهمنا هو الجانب الإنساني بكل أبعاده.

تتجلى صور الجانب الإنساني في ملحمة الطف من جانين، جانب الخير، حزب الله النجباء المتمثل في الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه وجانب الشر، حزب الشيطان المتمثل في الطاغية عمر بن سعد وأصحابه عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. فكل ما هو موجود في جانب الخير، فهو قطعًا مفقود في جانب الشر ولا يحتاج إلى دليل أو أمثلة إذ كلّما تحدثنا عن قيمة من جانب الخير فثق تمامًا أنّ هذه القيمة ليس لها وجود في جانب الشر.

ماذا في جانب الخير؟

هناك قيم قلّ نظيرها، فهناك الإيمان والسلم والصبر والإيثار والفداء والثقة والعزة والكرامة والمروءة والبذل والعطاء والسخاء والتلاحم والتعاضد والأمانة والحب والعطف والحنان والرأفة والرحمة والتعامل الحسن وفوق كل هذا كلّه الأخلاق المحمدية والسلوكيات الرفيعة.

فقبل وبعد الحرب تجلّت تلك القيم العظيمة في جانب الخير واتضحت آثارها، فما قام به شرذمة جانب الشر من أفعال شنيعة في حق حزب الله النجباء يدمي لها الجبين إلاّ تأكيدًا على عدم وجود تلك القيم الإنسانية في جانب الشر ويكفي دليلًا على ذلك حرق الخيام على مَنْ بقي من النساء والأطفال دون هوادة أو رحمة.

تلك القيم الرفيعة بحاجة إلى دراسة مستوفية حتى تتضح جوانبها وآثارها على الفرد والمجتمع، بل على العالم بأسره، فهي قيم ربّانية تدعو لها كل الرسالات السماوية وهي ما تحتاجها المجتمعات حتى تسمو بأخلاقها وسلوكها وتعلو إلى معالي المجد والخلود. لذا يجدر بالخطباء والمثقفين طرح هذه القيم بموضوعية تامة وبيان أهميتها وضرورتها في تنمية الفرد والمجتمع وبناء الشخصية المقاومة للظلم والاستبداد والاستعباد.

إنّ لهذه القيم ضرورة وحاجة ماسّة وملّحة هذا اليوم لما وصل إليه بعض شبابنا من ضياع وانحراف في بوصلاتهم والتي أخذت تنحى بهم نحو الهاوية والضياع في ظل استعمار ثقافي مخادع وبغيض. لم تعد الحرب العسكرية تجدي نفعًا فعمد حزب الشيطان إلى استخدام الأسلحة الفتّاكة دون خسائر ماديّة وذلك من خلال الولوج إلى عقولهم وتكريس ثقافات مادية بعيدة كل البعد عن القيم الإنسانية الحقة واستغلال بعض المفاهيم الخاطئة التي فرضتها بعض الظروف الخاصة على بعض الشعوب المسلمة وغياب الحرية الشخصية التي يتطلّع إليها الشباب دون وعي وإدراك.

من خلال تكريس القيم العظيمة ومفاهيمها السامية يتجلّى التغيير وبيان أنّ هذا التغيير بحاجة إلى إدارة فاعلة من قبل الفرد وذلك عبر تفعيل الآتي:

1. الوعي، أي توضيح حاجة الفرد إلى التغيير.

2. الرغبة، أي زرع رغبة التغيير في ذات الفرد.

3. المعرفة، وذلك عبر تزويد الفرد بالمعلومات والمهارات التي يحتاجها لتحقيق التغيير.

4. القدرة، أي تطبيق المعرفة والمهارات الجديدة كي تحل مكان المهارات القديمة وبالتالي إحداث التغيير.

5. التعزيز، ويقصد به الالتزام والعمل على تصميم سلوكيات جديدة مستدامة كي لا يكون التغيير مؤقتًا.

فمن خلال التجارب، قد تأكد بما لا يدع مجالًا للشك بأنّ هذا العمل يضمن حدوث التغيير المطلوب وتحقيق الهدف المنشود.