آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:12 م

الإصلاح الحسيني والمهدوي

الرابطة بين النهضة الحسينية بالوقوف في وجه الظلم ومحاولات تحريف الدين الشريف وإخلائه من مضامينه وتأثيره على صناعة الشخصية الإيمانية الحقيقية، وبين النهضة المهدوية الإصلاحية الكبرى والتي تسقط بقبضاتها رايات الشرك والضلال وترتفع راية العدالة الاجتماعية، واضحة من حيث اشتراكها في المبدأ وهو مواجهة ظواهر الانحراف العقائدي والسلوكي، والعمل على تثبيت قواعد الإيمان والاستقامة وتهذيب النفوس من شوائب الشهوات والأهواء، ومن نقاط الالتقاء المهمة هي عامل النصرة والمؤازرة وهوية الأصحاب المؤهلين للانضواء تحت راية الحق والهدى الحسينية والمهدوية، فذلك الفوز المبتغى بالمعية مع الإمام الحسين لم يكن وليد الأماني الفارغة والمشاعر العاطفية، بل كانت هناك بنية إيمانية وفكرية وسلوكية أهلتهم ليكونوا في زمرة المصلحين، وكذلك الأمر في النهضة المهدوية تتطلب من المنتظرين الإعداد على مستوى كافة الصعد التنموية، فطلب النصرة والتمهيد للظهور المبارك يعني حمل الممهد لصفات التقوى والنضج والتوازن السلوكي والوجداني.

وشهر محرم يعد فرصة عظيمة لإعادة الحسابات وترتيب الأوراق وتقويم التصرفات والتخلص من النواقص والعيوب، فالنهضة الحسينية بما تحمله من أبعاد فكرية وسلوكية وبما تتضمنه من كلمات توعوية ومواقف لأبطال كربلاء، تعد المنهج الأمثل لتربية النفس على الفضيلة وقوة المواقف والبصيرة الواضحة لحقيقة مجريات الأحداث ومآلاتها، فهؤلاء العظماء كانوا على علاقة قوية بربهم فأخلصوا كل أعمالهم لوجهه الكريم وجعلوا بوصلة فكرهم وسلوكهم الدار الآخرة، والممهدون لظهوره المبارك عليهم بناء أنفسهم وفق المعيار الإيماني والأخلاقي والعمل المتفاني،

أصنام النفس ومألوهاتها من ملذات الدنيا والأهواء النفسية تشكل حاجزا يمنع من الظفر بالنصرة والانتماء الحقيقي لزمرة الأنصار لحركة الإصلاح الحسينية أو المهدوية، فمن قعدوا وتقاعسوا عن نصرة سبط الرسول ﷺ اختلفت الأسباب لذلك، ومن تلك العوامل والتي ذكرها الإمام الحسين، هي: حب الدنيا وشرب القلوب لنعيمها والالتصاق بزخارفها واللهث الشديد خلفها دون التفات لأحكام الدين وترك الاستعداد للآخرة، فكان ذلك مانعا من التحاق الكثير بنصرة الحسين مع وجود معرفة بمكانة السبط الدينية والاجتماعية ولكنهم خافوا فراق دنياهم الزائلة!!

صناعة الشخصية الإيمانية عنصر مشترك بين النهضة الإصلاحية الحسينية والمهدوية وإكسابها صفات تحمل المسئولية والتخلص من شح النفس وتأليه الذات، فالإمام الحسين وأصحابه تحلوا بصفة البصيرة والوعي وفهم الواقع وتحديد الدور الوظيفي الذي يرضي المعبود عز وجل، والتفوا حول راية الهدى والحق المتجسدة بالسبط الحسين والذي عبر عنه الرسول الأكرم ﷺ بأنه من حسين، أي نهجه وحركته وأهدافه الإصلاحية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي صلب ولب المضامين التي دعا لها الأنبياء والمصلحون قبله.

وكان الأصحاب الكرام أهل البذل والتضحية والوقفة الشجاعة في سبيل الله تعالى دون خوف من الموت فضلا عن التهديد به، هؤلاء العظماء في تألق صفاتهم ستجد لها تشابها مع صفات الممهدين للظهور المبارك، إذ سيحظى بتلك النصرة من حاسب نفسه وتنزه عن النقائص والعيوب.

وفي علاقاتنا الاجتماعية جانب مهم ينبغي الالتفات إليه والتنبه له، فما نواجهه من نفور ومشاعر سلبية وكراهيات بسبب سوء فهم أو اختلاف أو نقاش وتحولها إلى صراعات تؤججها نيران الغيبة والنميمة، لا يليق بمن سار على النهج الحسيني والمهدوي، فلننظر لحال أصحابهم - على اختلاف عناصرهم ومناطقهم - تسود بينهم مشاعر المحبة والألفة والاحترام والتبجيل للآخر، ولن يدخل في دائرة المنتظر والناصر للمهدوية من لا يحمل مشاعر القلب السليم الخالي من الإحن والخصومات، فيتعامل بروح الطيب والتسامح مع المسيئين ويجعل ذلك احتسابا ورجاء الثواب الإلهي.

ونحن أمام فرصة كبيرة في عاشوراء لإعادة صياغة النفوس في إرادتنا وتفكيرنا وسلوكنا بما يتوافق مع الإصلاح المهدوي والذي يبدأ من عندنا قبل غيرنا، وننطلق بعد هذا الموسم العبادي مستعدين لمواجهة أصنام الأهواء والشهوات، حاملين مشاعر الاحترام والمحبة لأفراد المجتمع، فالسلم لآل محمد يعني وأد مشاعر الكره والعداء لشيعتهم مهما أساء لك أحدهم.