آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

الطرماح والنَّاقة ومواويل الصَّحراء!

المهندس هلال حسن الوحيد *

عندما كنَّا صغارًا، كان والدنا البَّحار يخبرنا - أحيانًا - عن غربةِ البحر والرَّحلاتِ الطَّويلة، التي كان ”النَّهام“ يسرِّيها ويسهِّلها بالمواويل، في انتظارِ صيدِ اللؤلؤ، ثم العودة للأهلِ والوطن. ولما كبرتُ، رأيتُ في بعضِ رحلاتِ العمل رجالًا من البدو مع إبلهم يرعونها، مركبٌ صعب، لا يرغبه إلا المضطرّ والهاوي، جربتها مرَّةً واحدة، وشعرت بالرَّهبة. مخلوقاتٌ عجيبة، ويُطربها صوتُ الحادي العذب الذي يخلق ألفةً بينه وبينها كما يخلق البحَّارُ ألفةً بينه وبين أمواجِ البحر.

في سنة 61 هجرية، كانت النَّاقة هي المركب المخصَّص للنِّساء في رحلةِ الإمام الحسين عليه السَّلام مع عياله، على ما يبدو، من مكَّة الحجاز نحو كربلاء العراق، تتهادى النِّياق فوقَ رمالِ الصَّحراء المتعرّجة، ومن فوقها هوادج ومحامل تمنع النِّساء من نظراتِ الغرباء. ومن أجل أن تنتظمَ النِّياقُ في حركةٍ انسيابيَّة، لا تُرعب النِّساء والأطفال، كان لابدَّ لها من حادٍ ينشد لها أهزوجة تطربها، وكان الطرماح بن عدي الحادي المطلوب!

يروي أحمد بن أعثم الكوفي في كتاب الفتوح - ج 5 - الصفحة 80: ”ثم أقبل الحسين إلى أصحابه وقال: هل فيكم أحد يخبر الطريق على غير الجادَّة؟ فقال الطرماح بن عدي الطائي: يا بن بنت رسول الله! أنا أخبر الطريق. فقال الحسين: إذًا سر بين أيدينا! قال: فسار الطرماح وأتبعه الحسين هو وأصحابه، وجعل الطرماح يقول: يا ناقتي لا تجزعي من زجري * وأمضِ بنا قبل طلوعِ الفجرِ بخير فتيانٍ وخيرِ سفري * إلى رسولِ الله أهل الفخرِ السَّادة البيضِ الوجوهِ الزهري * الطاعنينَ بالرِّماحِ السمرِي الضاربينَ بالسيوفِ البترِي * حتى تحلى بكريمِ النَّجرِ بما جد الجد رحيب الصدرِ * أتى به اللهُ لخيرِ أمرِ عمَّرهُ الله بقاءَ الدَّهرِ * يا مالكَ النفعِ معًا والضرِّ أمدد حسينًا سيِّدي بالنصرِ * على الطغاةِ من بقايا الكفرِ“. وقد حذفت آخر بيتين منها، مع أنها وردت في مصادرَ أخرى بصيغٍ مختلفة.

محقٌ من روى الحادثة، لكن أجزم أن النوق عرفت أن راكبيها من أفضل ما خلق الله، فطأطأت رأسها، وكانت أرحم بهم من كثيرٍ من النَّاس الجفاة في ذلك الزمان. يقال أن هذا الحادي - الطرماح بن عدي - فارقَ الحسينَ عليه السَّلام ووعده أن يوصلَ الميرةَ لأهله، ثمّ يعود لنصرته، إلا أنه لسوء حظِّه، لما عاد بلغه خبر مقتل الحسين عليه السَّلام في عذيبِ الهجانات، وهو واحدٌ من المنازل التي مرَّ بها الحسين عليه السَّلام في مسيره من مكَّة إلى كربلاء، فلم يحظَ بالشَّهادة والسَّعادة!

مستشار أعلى هندسة بترول