آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

الحر الرياحي (ع) واتخاذ القرار

محمد يوسف آل مال الله *

في علم النفس، يعتبر اتخاذ القرار العملية المعرفية الناتجة عن اختيار المعتقد أو إجراء بين العديد من الاحتمالات الممكنة. فهي عملية تعتمد على الأداء البشري ويمكن اعتبار اتخاذ القرار نشاطًا لحل المشكلات ينتهي بحل مثالي أو مرضي على الأقل. ولذلك فهي عملية يمكن أن تكون عقلانية أو غير عقلانية ويمكن أن تستند إلى معرفة ومعتقدات صريحة أو ضمنية.

من هنا نستطيع أن نفهم أنّ القرار الذي اتخذه الحر الرياحي قرارًا مصيريًّا يتعلّق بالمعتقد حيث كان يخيّر نفسه بين دخول الجنة والفوز بالرضوان أو يبقى في معسكر العدو ويخسر بذلك دنياه وآخرته. لم يكن ذلك القرار سهلًا إذا ما كانت النظرة المادية طاغية على القلب والفكر وقد بان ذلك على وجهه وهو ينظر إلى جنوده حتى قال: ”إنّي والله أُخيِّر نفسي بين الجنّة والنّار، فوالله لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قُطِّعْتُ وحُرِّقْتُ، ثمّ ضرب فرسه قاصداً الإمام الحسين ويده على رأسه وهو يقول: اللّهمّ إليك أنَبْتُ فتُبْ عَلَيّ، فقد أرْعَبْتُ قلوب أوليائك وأولاد بنتِ نبيّك!!“.

هذا الحوار كان من أصعب الحوارات التي دارت بينه وبين نفسه ولولا امتلاك الحر الرياحي نفسًا حرة ومعرفة كبيرة بالإمام الحسين لكان قراره غير الذي اتخذه في لحظة صعبة تكون نتائجها غير متزنة. فالحر الرياحي يمتلك من مهارات التحليل واتخاذ القرارات ما يكفيه لأن يأخذ القرار الصائب وهو مطمئن به وهكذا هم القادة الحقيقيون، إذ لا يخفى أنّ الحر الرياحي كان قائدًا وفارسًا يُعد بألف فارس وما كان قراره إلّا من خلال امتلاكه المهارات القيادية والإدارية والفنية.

لقد اعطى الحر الرياحي نفسة فرصة يتحاور فيها مع ذاته وأخذ الخطوات الازمة لاتخاذ القرار المناسب ومنها…

• تحديد المشكلة، أو التحدي أو الفرصة المتاحة: فقد حددها الحر الرياحي بين البقاء في معسكر العدو أو الانتقال إلى معسكر الإمام الحسين .

• وضع قائمة بجميع الحلول الممكنة: وهنا رأى الحر الرياحي أنّ الحل يتأرجح بين البقاء على قيد الحياة وخسران الفوز بالجنة والرضوان أو العيش بذلة واحتقار، بل ولعلّه يموت في اليوم ألف مرة.

• تقييم تكاليف وإيجابيات وسلبيات كلّ خيار من الخيارات المطروحة: ولا يُستبعد أنّ الحر الرياحي قارن بين الخيارين بشكل دقيق وتوصّل إلى التكاليف المتعلقة بكلا الخيارين.

• اختيار حلّ واحد أو إجابة مناسبة من بين الحلول المقترحة: لقد أطلق الحر الرياحي العنان لعقله قبل قلبه، فاختار أفضل الخيارين ونجح في تفعيل ذلك القرار.

• تقييم أثر القرار المتخذ وإجراء أي تعديلات أو تغييرات ضرورية: لم يكن الحر الرياحي بحاجة إلى تعديل أو تغيير قراره لوثاقته وقوته برؤية واضحة وثبات.

لذا وقبل أن تتخذ قرارًا مصيريًّا، عليك أن تمتلك المهارات والقدرات التي تستطيع من خلالها اتخاذ القرار الصائب وحل مشكلاتك بيسر وسهولة، فالقرار الذي اتخذه الحر الرياحي لم يكن قراراً دنيويًّا يعنى بالمادة، بل قرار مصيري يعلم نتائجه مسبقَا وهي نفسه، فقد وهبها لله سبحانه وتعالى وفي سبيل الحق.