آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 8:31 ص

فضل البكاء على الإمام الحسين (ع)

عبد الرزاق الكوي

يايوم عاشوراء لقد خلفتني ••• ما عشت في بحر الهموم غريقا

فيك أستبيح حريم آل محمد ••• وتمزقت أسبابهم تمزيقا

ليس بالكثير على ابا عبدالله الحسين سيد شباب أهل الجنة حفيد رسول الله صلى الله عليه واله وبما أصابه يوم عاشوراء من جريمة العصر اهتزت لها السماء ورحلت لها الارض أن تفداه الأرواح فكيف بالدمعة.

بكته السماء وبكاه حبيب الله المصطفى محمد صلى الله عليه واله، وشقت جيبها ولطمت وجهها زينب مساء اليوم العاشر من محرم الحرام، وكاد الامام السجاد يموت جزعا من هول المصاب وعظم الرزية وكبر الفاجعة وشناعة الإجرام، فقيد بهذه المكانة العظيمة يقول عنه جده رسول الله ﷺ لعظمة مكانه وعلو شأنه «حسين مني وانا من حسين» كلمات لم يقلها في غيره، فإذا كان عزاء ولد أو أب او أم ايام معدودة فالعزاء على الامام الحسين مدى الدهر والبكاء عليه أنهر من الدمع، فعلى الامام الحسين فليبكي الباكون ولتشق الجيوب وتلطم الوجوه وتلبس السواد، بهذا المصاب الجلل، من ثمار هذا البكاء كشف الواقع الإجرامي في حق الامام وأهل بيته على يد مجرمي كل العصور وشداد الآفاق، لتبقى القضية حية موضحة عمق وقساوة قلوب مرتكبيها ليس في جسد الامام الحسين ، بل السيوف والخناجر والسهام والرماح والحجارة كانت مصوبه لرسول هذه الأمة صلى الله عليه واله وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء .

أفاطم لو خلت الحسين مجدلا •• وقد مات عطشان بشط فرات

إذا للطمت الخد فاطم عنده •• وأجريت دمع العين في الوجنات

فالعاطفة تبرز في أجل صورها وأعظم تجلياتها في هذه الأيام الحزينة على قلب الرسول ﷺ وأهل البيت واتباعهم في ارجاء الأرض، يعيش محبي أهل البيت المشاركة الوجدانية بأسمى معانيها وأرقى سموها.

«فليبك الباكون، وإياهم فاليندب النادبون، وليصرخ الصارخون، ويضج الضاجون، ويعج العاجون...»

فالبكاء عمل محمود كوقفة عطاء ومواساة ولها عظيم الأجر والثواب والتقرب لله تعالى في ولي من أولياءه وسيد شباب أهل الجنة، حتى قال بعض الفقهاء ان من لم يستطع البكاء فليتباكى ويلطم ويضرب على الوجه، وهي حالة من حالات السعي للوصول الى التأثر وبلوغ مرحلة من القرب والمواساة تنم عن عمق الارتباط والحسرة على عدم الوصول الى المبتغى وهو البكاء، في زيارة الناحية:

«فلأندبنك صباحا ومساء، ولأبكين عليك بدل الدموع دما».

ان البكاء والتباكي صلة وصل ليس هدف بل معايشه وجدانية عميقه يمكننا القول حاله من الارتباط، السعيد من طهر قلبه وصلحت سريرته ان يصل الى كنه وعظمة البكائين، كما نقل في الروايات ان معسكر الضلال الذي قاتل الامام كان البعض منهم بكى على ما جرى على الامام من إجرام، فهل هذا يعتبر بكاء يستحق عليه الأجر والثواب، كانت قلوب البعض مع الامام وسيوفهم عليه، وبعضهم اكتفى بالبكاء ولم يشارك المعسكرين، او يكون البكاء عادة وليدة اللحظة، فالأمثال تضرب ولا تقاس، معروفا ان المصلين والصائمين والعباد ليس على درجة واحدة، معسكر الذي حارب الامام من المصلين والصائمين والحفاظ للقران الكريم، اشتركوا في قتال سيد شباب أهل الجنة لم يكتفوا بقتله بل مزق جسده وقطع رأسه، وسبيت بنات الرسول صلى الله عليه واله وطيف بهم من بلد الى بلد، وكانوا يدعون انهم على دين الاسلام.

البكاء من الامور العظيمة الذي يحتاج مجاهدة للوصول الى مبتغاه وكينونته ونيل عظيم ثوابه، والارتقاء الى مدارج الكمال، فكما كان عطاء أصحاب الحسين عليه الاسلام في كربلاء عطاء صادق ويقين ثابت كذلك من يريد الوصل الى درجة القرب من البكائين الصادقين المتيقنين ان يعتني من اجل الوصول، ليكن البكاء إخبار عن معدن الانسان وطهارة القلب ورقة المشاعر الحقيقية، وقوة الاعتقاد والارتباط الوثيق.

فالبكاء ليس هدف في حد ذاته بل وسيله واداة موصلة لان يكون المحب في مستوى هذا الحضور الرباني، حتى ينال درجة ان يكون في معيتهم يوم القيامة، ليس كل مصلي وصائم في الجنة وليس كل من بكى سيكون في درجة أهل البيت في يوم القيامة، يحتاج الأمر ذوبان وليس حضورا صوريا وتأثيرا مؤقتا، وهذا ما تعانيه القلوب الغارقة في متاهات الدنيا، كتب لنا جميع من فيض هذا الحضور لننال بركات هذا التجلي المقدس، ان تكون تلك الادمع طريق لشفاء القلوب وتطهير النفس وتغيير الحال، ان تعمر القلوب بعظيم المصاب، تذكر المأساة بقلب صافي، بعطش ابن رسول الله صلى الله عليه واله، بحجر ابو المحترف، بالسهم المثلث، بالشمر وقطعه الرأس الشريف، وخيول الأعوجية وهي تكسر اضلع الامام ، وبالطفل الرضيع وهو مذبوح من الوريد الى الوريد على صدر الامام الحسين وبحرق الخيام وسبي النساء، كل ذلك يعمق عظمة المصاب وعظم الارتباط وهذا يحتاج استعداد مسبق، فكما لكل عباده من العبادات تحضير للتكامل وتصل بالطريقة المرجوه والمؤملة ونيل جزيل صوابها، كذلك مصيبة الامام والبكاء عليه تحتاج الرعاية، لنيل رضى الله تعالى في مصاب سيد شباب اهل الجنة، يمكن غير المسلم يسمع بمصاب الإمام الحسين فيبكي ليس من أجل نيل الأجر والثواب بل وجد ان عظم المصاب يبكي الحجر، فليعلوا المحبين لان يصلوا عظيم الارتباط ان يكون بكائهم اعظم وأجل وأسمى ليس فقط من أجل نيل الأجر والثواب، فهذه تجاره وتوجد مشروعة وتوجد تجارة اعظم هي تجارة الحب البعيده عن كل ثمن مقابل، وهذا ما وصل له أنصار الامام يوم عاشوراء، فالملايين البكائين في أرجاء العالم الجميع يتمنى ان تشمله رعاية ومحبة وشفاعة الامام الحسين اشفق على اعدائه، ان يشفق وينظر بعين الرأفة للمقصرين من اتباعه ومحبيه وان يشمل الجميع ثواب الدمعة وجزيل ثواب البكاء أن لا تكون دموع الاتباع مع الحسين وقلوبهم مع أعداءه وهذا هو الواقع السئ في القرب، وان يكون الباكي فقط معهم في مكانتهم تحتاج الى عمل اكثر وحالة استثنائية من العلاقة.

وكما الأمثال تضرب ولا تقاس هذا امام المتقين يقول علي : «الهي ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك، لكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك».

فليكن القرب والبكاء على الامام الحسين ، ليس خوفا من قلت الأجر والثواب، ونيل الآثم والحساب، بل ان يكون اهلًا للبكاء بعظم المصاب فليبكي عليه، هذا عظمة الارتباط والدرجات العليا، فالبكاء من أجل الأجر والثواب مشروع ولكن ان تعيش مع المأساة كما تعيشها مع اي عباده تقدم فيها الشكر والعرفان على ما انت فيه من خير قبل التفكير في الاجر والثواب، قضية الامام نوعا من انواع العبادة والتقرب لله تعالى، ان تكون ولاء حقيقي وارتباط وثيق وعهد صادق معه، ترتقي عن مجرد العاطفة باستحضار قيم الامام الحسين ، حق الإمام على محبيه اكبر بما قدم واعطى من اجل حماية الدين وشرف عظيم الانتماء لهذا البيت الطاهر.