آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

رجال من زمن الحسين

ليلى الزاهر *

يعزف لحن الأصدقاء أجمل ثِمار الحب والتضحية، ولولا الصحبة الطيبة لكان المرء وحيدا، فأنت كثير بإخوانك، وبفضل أصدقائك تضاعف نفسك فيصبح لك صوت في زمن لم تعشه وفي مكان لم تزره قدماك.

عظيم هو الصاحب، عظيم هو الصديق الوفي، إنه أعظم من الزمان والمكان.

والمتأمل في ساحة كربلاء يرى أنها قد أفرغت كل ما في جعبتها من الأصحاب الخُلّص، الذين كانوا على موعد مع الحسين ، والمواعيد تتقيد بزمان ومكان.

وأي مكان كان لقاء الحسين بأصحابه؟!

جمعتهم كربلاء، وقضوا نحبهم بين يدي سبط رسول الله في وقت غلب فيه تخدير العقول، وغشي الناس سباتٌ عميق، إلا أن الله تعالى اختار للحسين أصحابا خُلّصا سطّر لهم التاريخ مشاهد بطولية تسمو عزّا ورفعة، فعندما قال لهم الحسين :

هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملًا.

قال له بشر الحضرمي:

أكلتني السباع حيّا إن أنا فارقتك يا أبا عبدالله.

وقال له جون:

لا والله، لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم.

إنّ بعضهم كان يعتقد أن التّخلف عن الحسين ضلال فما شأن من يصرّ على الموت بين يديه وقد أذن له بالانصراف؟!!

مسلم بن عوسجة الأسدي، جنادة بن كعب الأنصاري، حبيب بن مظاهر الأسدي

أسماء لمعت فوق سيوف كربلاء، حافظوا على العهد الذي قطعه آباؤهم مع الرسول الكريم عندما قال ﷺ: «تمنعوني مماتمنعون أنفسكم، وتمنعون أهلي مما تمنعون أهليكم وأولادكم»

لقد توارثوا حب محمد وحبّ أهل بيت الرسالة.

هؤلاء الأصحاب والأحباب شهد لهم سيد شباب أهل الجنة عندما قال:

‏أما بعد: فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيرًا، ألا وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حلّ ليس عليكم مني ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا.

وعندما بزغت شمس عاشوراء ذهب معها من كان يردد صوت الرسول وهو يقول: حسين مني وأنا من حسين.

أليس الله يحب من أحبّ حسينا ويبغض من يبغض حسينا؟

ولمكانة هؤلاء الثلة المؤمنة وعلو شأنها فقد اختصّها الله تعالى بالمقام الرفيع في الدنيا والآخرة، وفُضلّوا على غيرهم؛ ومما يدعم هذا التفضيل إفراد الإمام زين العابدين حبيب بن مظاهر بقبر مستقل بينما دفن جميع الشهداء - ماعدا عمه العباس - في قبر واحد.

وقد أوضح الإمام زين العابدين هذا الأمر لبني أسد وقت الدفن حيث قال:

وأما القبر المنفرد مما يلي الرأس الشريف فهو حامل راية الحسين حبيب بن مظاهر.

وإذا كان من عجائب الدنيا أن تقتل أمةٌ سبطَ نبيها وتستأصل آله وأصحابه فإنّ الله تعالى قد أخذ ميثاق فئة من الناس ينصبون ألوية العزاء على قبر سيد الشهداء لايُدفن ذكره، ولا يعفو رسمه، بل يزداد أمره ظهورا ويعلو شأنه بزوغًا مع تقادم العهود، ومضي السنون.