آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

أفغانستان بين الدولة والإمارة

عبد الرزاق الكوي

تقع أفغانستان في جنوب غربي آسيا، دولة متعددة العرقيات والاثنيات يصل تعدادهم إلى خمسة وعشرون جماعة عرقية واثنية مرت في حروب أهلية طاحنة تحت مظلات قبلية وعرقية ومذهبية، اليوم تمر أفغانستان بمرحلة مصيرية صعبة وخطيرة، فالوضع والمستجدات على الساحة لا تؤثر على البلد وشعبها بل التطورات لها تأثير على مجمل الوضع الإسلامي والعالمي وخصوصا لمحيطها الإقليمي، فالماسك بزمام الأمور بعد الانسحاب الخارجي من هذه الدولة فتح المجال لهذه الحركة التي كانت ترعى وتؤمن الملاذ لكافة التنظيمات التي أصاب ضررها العالم أجمع، حكمت بالنار والحديد فترتها الأولى منذ أن سيطرت على العاصمة الأفغانية كابول في 27 سبتمبر 1996، وأعلن قيام الإمارة الإسلامية، فرضت خلال استلام مقاليد الحكم تربية اللحية والالتزام بالزي الإسلامي المتبع في تلك الدولة، وألغت مدارس البنات، وقامت بالكثير من الأعمال الهمجية فهي تملك سجلا حافلا بالانتهاكات التي تصل جرائم الحرب ضد الإنسانية من أجل بث الرعب كل ذلك تحت مظلة الدين ومن يخالف ذلك يصل اتهامه بالكفر والإعدام دون محاكمة.

منذ إقصاءها قبل عشرين عام حيث إنها تأسست في عام 1994، لم تغير أيدلوجيتها، فمن أحد أسباب الحرب المعلنة عليها هي رفضها تسليم المتسببين بأحداث سبتمبر 2001 ومنذ ذلك الوقت ومع مرور السنين اكتسبت إمكانيات عسكرية وتنظيم استراتيجي وخبرات سياسية خرجت من حرب العصابات والعيش في الجبال إلى الجلوس على طاولة واحدة مع خصمهم اللدود بما يملك من قوة وجبروت.

اليوم أحلام الشعب الأفغاني تتبخر بفعل فاعل أراد لهذا البلد أن تعيش هذا الواقع المأساوي، تتراجع التطلعات بغد أفضل يتذكر فيها هذا الشعب انتهاكات حقوق الإنسان والتنكيل بالأقليات الدينية والعرقية وحقوق المرأة، وحرية الرأي والمعتقد، فهذا هو الفكر المترسخ والذي قامت عليه مثل تلك الحركات تكفير مجتمعاتها، وهذه الجماعات اليوم تشعر بالزهو والتفاؤل وتعيد الخلايا النائمة ترتيب أوضاعها تحت مضلة الراعي والمدافع عنها، فالملاذ موجود والحواضن لا زالت ترحب بهذه التنظيمات، حتى لو أعلنت هذه الحركة عن تخليها عن دعم تلك التنظيمات، فالأيدلوجيات واحدة وتوجد قوى متشددة تسعى إلى إحياء هذا الواقع ليس في أفغانستان فقط بل على المستوى الإسلامي والعالمي.

اليوم الباب مفتوح على مصراعيه لهم بأكثر تنظيما وتواصلا على مستوى دوله لها قوتها واتصالاتها يبنى فيها تحالفات تحت مظلة دولة ذات سيادة كانت سابقا تحت قائمة الإرهاب خارج النطاق المعترف به عالميا.

الخاسر اليوم هو الشعب الأفغاني الذي عانى مرارات الحروب والقتل والدمار والتراجع الاقتصادي وتهديم البنى التحتية للبلاد وانتشار الفقر المدقع، والفائز هم الجماعات التكفيرية وخلاياهم المنتشرة في بقاع العالم، والمستقبل يعطي الأمل لتلك المجموعات لتصل إلى ما وصلت له الحركة الأم وهذا ما سعت له تلك التنظيمات في إنشاء إمارات وولايات ودول خلافة في بعض دول العالم، قامت على القتل على الهوية وخارج نطاق الإسلام الحقيقي والمواثيق الدولية والإنسانية أمراء الحرب وقادة التنظيمات يستلمون قيادة دولة تبني علاقاتها مع العالم بالشك وعدم الموثوقية والترقب المشوب بحذر، فالعالم اكتوى بنار تلك التنظيمات والعالم بما يعيشه من وباء وتراجع اقتصادي ليس قاصر مزيد من القتل والإرهاب.