آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 5:35 م

الحسين (ع) عطاء عانق السماء

عبد الرزاق الكوي

جسد الإمام الحسين كثير من القيم في يوم عاشوراء، هذه القيم الفاضلة خرج من اجل تحقيقها بعد المحاولات من أجل طمسها والرجوع لقيم الجاهلية، من هذه القيم التي تجسدت يوم العاشر من محرم وبلغت أوجها هي قيمة العطاء، انطلاقا من المسؤولية الشرعية للامام الحسين واتباع الدين الاسلامي الذي حث على العطاء لما لهذا الدور من اثر عظيم في كامل المجتمعات وحفظ مكانتها واستمرار بقاءها على قيد الحياة بوضع صحي وحياة كريمة، فكانت حياة الرسول صلى الله عليه واله ومن بعده أهل بيته مسيرة عطاء بلا حدود في مجمل حياتهم، وكان النموذج المقدم والمشرف لهذا العطاء الرباني والفريد من نوعه والعلامة الفارقة في قمة العطاء، هو نهضة الإمام الحسين وثقافة العطاء الذي خطها بدمائه ودماء أهل بيته وأنصاره على أرض كربلاء المقدسة، فالعطاء في الحياة انواع كثيره مثلا العطاء المادي او الخدماتي وقضاء حاجات الناس بشتى أنواعها ومساعدة الفقراء والمساكين ويبقى عظمة العطاء هو عطاء تقديم النفس قربانا من أجل ان تنعم الإنسانية بجميع العطاءات الأخرى وتتجسد فيها المعاني الحقيقية للعطاء العظيم من الرجال العظماء، قد تقدم عطاءات كثيرة ويبقى أصاحبها منعمين ويتمتعون في حياتهم وهو عطاء محمود وله فوائده لا أحد يختلف عليها، لكن ان يكون العطاء بالنفس والرضا التام بهذا العمل فهو قمة العطاء، عطاء بدون مقابل او كلمة شكرا سوف يسمعها او احتفالية وتكريم بما قام به اختصر المسافات ليقدم الإمام الحسين عطاء يخدم الإنسانية جمعاء منذ استشهاده حتى تقوم الساعة، كل ذلك اذا كان العطاء على المستوى الفردي، اما ما قدمه الامام الحسين من أجل الانسانية فقدم الأولاد والعائلة من احفاد الرسول صلى الله عليه واله من رجال ونساء ليتكامل العطاء ويصبح نموذجا يحتدى به ويتبعه الناس على مر الأيام والسنين، يتعلم منه أصحاب العطاء ليزدادوا عطاءا، ويتعرف عليه المتخلفون عن ركب العطاء ليدخلوا في عالم من السعادة النفسية.

قالت العقيلة زينب بطلة كربلاء: «إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى».

ليسأل أهل العطاء ويقارنون عطاءهم بعطاء الإمام وهو يقدم شبيه النبي ﷺ خلقا وخلقا علي الأكبر وهو من بيت تربوا على العطاء فعندما غفا الإمام الحسين في مسيره إلى كربلاء رأى رؤيا استرجع الإمام الحسين منها بعد غفوته، وحين سمعه أبنه علي الأكبر سأله: لمَ استرجعت يا أبي، قال: «سمعت هاتفاً يقول القوم يسيرون والمنايا تسير بهم»، فقال علي الأكبر: ألسنا على الحق يا أبي؟ قال: «بلى يابني»، قال: إذن لا نبالي أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا وهذا قمة العطاء في هذا البيت الطاهر من رسول الأمه ﷺ وصولا لجميع أهل البيت .

يقدم الإمام الحسين رضيعه في يوم العاشر من محرم ويرفع دم الرضيع للسماء ليجسد قيمة العطاء في أصعب مواقفه وأعلى تجلياته، ان يحرم هو وأهل بيته وانصاره من قطرة ماء حتى يتنازل عن مبادئه فيبقى مجسدا مؤمنا متيقنا بقيمة وأهمية هذا العطاء.

لما رُمي عبدا لله الرضيع بسهم حرملة لعنه الله في كربلاء أخذ الإمام دم الرضيع المبارك ورماه إلى السماء قائلاً: «هوّنَ عليَّ ما نزل بي إنَّه بعين الله».

فإنّ كلّ ما ينزل بنا هو من الله سبحانه وتعالى فكله هيّن وسهل في جنب الله وفي سبيله، وهو القائل : «رضا الله من رضانا أهل البيت نصبر على عظيم بلائه فيوفينا أجور الصابرين»