آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 7:29 م

عاشوراء في الفكر والوجدان

حكيمة آل نصيف

قال الإمام الحسين : إنّي لم أخرجْ أشرًا ولا بطرًا ولا ظالمًا ولا مفسدًا، وإنّما خرجتُ لطلبِ الإصلاحِ في أُمّةِ جدّي، أريدُ أنْ آمرَ بالمعروفِ وأنهى عن المنكر...» «بحار الأنوار ج 44 ص 329».

في هذه المقولة يتبين لنا منهج وأهداف الإمام الحسين من حركته الخالدة التي مرت عبر الزمان جيلا بعد جيل، فما يعتقده البعض بأن الإمام الحسين هو متنفس الهم والغم وأنه عَبرة فقط فهذا غير صحيح، بل الحسين عِبرة وعَبرة ولا يكتمل هذا الترابط إلا بالفهم الحقيقي لمنهاج الحسين الحقيقي الذي خرج من أجله، غير عابئ بحطام الدنيا تاركا ملذات الدنيا ونعيمها الزائل مخلفا خلفه الكثير من الآلام ومضحيا بكل غالي ونفيس، مقدما في سبيل تحقيق هذه الأهداف أغلى ما يملك بل وكان أولاده وأهل بيته قرابين تضحية وفداء.

فما هي هذه الأهداف التي حرص الإمام الحسين على تحقيقها؟

ومن أجل ماذا كان حريصا على أن لا يتخلى عنها؟؟

أهم أهدافه سلام الله عليه التي عمل على ترسيخها هو معنى العدل في المجتمع وتحقيق الحرية الإنسانية الحقة ورفض الظلم والباطل وتقويم المجتمع من الفساد، أي أنه كان يريد مجتمعا يعيش حالة من التوازن من خلال إشاعة الفضائل والصفات الحميدة التي دعا لها نبينا محمد ﷺ، وما كانت تستقر هذه الأهداف إلا من خلال حركته المقدسة وثورته المباركة في مقارعة الظلم والعدوان المنحدر على المجتمع الإسلامي عامة.

فلم تكن ثورته سلام الله عليه من أجل مصالح فردية أو منافع ذاتية أو من أجل حطام الدنيا وزينتها التي تضيق الخناق على الإنسان المؤمن الذي يهدف للتكامل والوصول لرضا الله عز وجل.

فإذا كانت هذه الشخصية العظيمة التي لم يوجد مثلها في التاريخ البشري بهذا الحجم من ذوبان الذات في رحاب المولى عز وجل، فلم يكن ينظر إلا بعين رضا الله وتحقيق الأهداف والنهج الذي يريده الله من عباده الصالحين، أليس حريا بنا أن يكون هو القدوة والمنهاج الذي نتبعه ونسير عليه؟

ألا يكون هو من يستحق أن نأخذ بسيرته ونسير بنهجه لكي نصل بأنفسنا لمرحلة الكمال التي يباهي الله بها ملائكته؟؟

فإذا أردنا أن نستحق لقب أنصار سيد الشهداء في كل عصر وزمان وإن لم نقاتل معه في ثورته المباركة ومعركته الخالدة، فلنسع لتحقيق أهدافه التي سعى لترسيخها في نفوس الأجيال المتعاقبة بعده.

ومن الأمور التي تساعدنا على ذلك تطهير الذات من الوقوع في الذنوب وتزكيتها من سلطنة الشيطان وتأثيره عليها؛ لأن الشيطان يحاول جاهدا أن يدخل من أي ثغرة عند المؤمن وليبعده عن طريق الحق والصواب، ولكن من كان يقضا وحذرا من مكائد الشيطان وحبائله سيكون بعيدا عن الوقوع فيها، فمن كان هدفه كمال نفسه ورقي مجتمعه فليس للشيطان عليه من سلطان.

كذلك نحن نعرف بأن الحسين في سبيل رفض الظلم والطغيان ضحى بكل ما يملك، ونحن في سبيل السير بطريقه وسيرته لابد أن نتعايش مع عنصر التضحية في هذه الدنيا، فلنضح بشيء يسير وهين وهو التخلي عن ملذات الدنيا الزائدة وشهواتها التي قد تكون سببا لتعلقنا بها ومتابعة الشيطان شيئا فشيئا، والولوج في عالمه المخيف الذي ينتهي بنا إلى الهلكة، إذ أن التعلق الزائد بالدنيا وحطامها المنتهي بنهاية حياتنا فيها قد يسلك بنا لمتابعة طرق الشيطان والبعد عن طريق الحق الذي سلكه الحسين .

فعملية تطهير الذات صعبة بالذات في هذا الزمن المخيف الذي نلاحظ فيه تكالب المغريات سواء في عبادتنا أو عقيدتنا والتي يسعى المروجون لها بشتى الطرق؛ لننقاد لها بتقديم الأسباب المزيفة في صحة مغرياتهم وعروضهم وأنها لا تتنافى مع الدين الإسلامي، وليكن ردنا عليهم كما كان رد الحسين سلام الله عليهم بأن طريق الحق واضح وبين وطريق الشيطان واضح وبين وليس هناك طريق ثالث بينهم.

إذا وعينا وفهمنا أهداف الحسين الخالدة نستطيع بعدها العيش بأمان ونستفيد من وجوده بيننا وإن لم يكن ذلك بجسده، فروحه وحركته الخالدة هي التي تحركنا نحو الصواب جيلا بعد جيل.