آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

ويبقى الحسين (ع) شعلة لا تنطفئ

محمد يوسف آل مال الله *

لعلّ من أبسط ما يُقال أو يُستفسفر عنه عند انتهاء أي حرب بين طرفين هو تحديد الرابح والخاسر وعدد القتلى وقيمة الخسائر المادية، لكنّه حينما تكون الحرب بمستوى ملحمة الطف، فإنّ كل هذه الاستفسارات والتساؤلات تضمحل ذلك أنّ ملحمة الطف ليست حربًا طبيعية يُنتظر منها فوزًا ماديًّا، بل هي حرب إبادة وتصفية ونفي لرسالة إلٰهية، يأبى الله ورسوله أن تكون كذلك.

هذه الحرب التي فرضها العدو، بل الطاغوت الذي استبدّ برأيه وفعل ما فعل، كما أبانت بطلة كربلاء السيدة زينب في خطابها المبارك: ”أظنَنْتَ يا يزيد حيث أخَذتَ علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبَحنا نُساق كما تُساق الأُسارى، أنّ بنا على الله هَواناً وبك عليه كرامة؟! وأنّ ذلك لِعِظَم خَطَرِك عنده! فشَمَختَ بأنفِك، ونظرتَ في عِطفِك، جَذلانَ مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مُستَوسِقة، والأمورَ مُتَّسِقة، وحين صفا لك مُلكنا وسلطاننا“. هكذا يظن الطاغوت أنّه وبفعله قد أمات الرسالة وانتهى الدين.

لقد أحيا الإمام الحسين بدمه وبدم أهل بيته وأصحابه الدين وأقام على تحقيق رسالة سيد المرسلين محمد ﷺ، بل أحيا معالمه وأقام أعمدته وأرسى قواعده راسخة وما قام به بنو أميّة إلاّ العار والشنار وما كسبوا إلاّ الذل والهوان وبذلك تبددت أحلامهم وتمزقت أعلامهم واندثرت اسماؤهم، فلم يعد لهم ذكر، بل اللعنة الدائمة عليهم من رب العالمين وسائر المؤمنين.

أكثر من 1390 سنة واسم الحسين يملأ الفضاء وأهدافه تحيط بالعالم ومظلوميته تلف الأرض ليتبيّن من خلالها الحق في ارجاء المعمورة ويستضيء بنورهم الشرق والغرب، ففي كل جزء من العالم تجد المؤمنين يصدحون باسمه عاليًا وينشرون أهدافه في كل شارع وزقاق والناس يبكون ويصرخون رافعين الأعلام والرايات ويوصلون رسالته إلى كل ذي لب يميز بين الحق والباطل.

لم تنتهي ملحمة الطف ولن تنتهي أبدًا حتى ظهور صاحب الأمر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، فمهما سعى أعداء الدين لتصويرها بحرب قد انتهت فصولها، فهي في كل عام تتجدد ويعود أبطالها من جديد. يقول سبحانه وتعالى: ”وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ للَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ“ - آل عمران «169»، فهم يحملون رايات الحق ويعيدونها من جديد ويغرسون سيوف الحق في أجساد أعداء الله ورسوله مهما بذلوا من جهد ومهما عملوا من أعمال تضليلية ليوهموا العالم بأفكارهم الباطلة وأقوالهم الكاذبة.

هذا التجديد لهذه الذكرى في كل عام هو استنهاض للأمة وبث روح التضحية والجهاد من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الكافرين هي السفلى، فكربلاء الحسين شملت جميع جوانب الحياة من حزن وقيم أخلاقية، عِبرة وعَبرة، كما نستلهم منها دروساً فريدة ليس لها نظير، يتغيّر من خلالها مجرى التأريخ، واستلهام روح التفاني من أجل القيم العليا والجود بالنفس أقصى غاية الجود.

لقد أوضحت بطلة كربلاء السيدة زينب ضعف الأعداء مهما بلغت قوتهم ماديًّا. تقول مخاطبة الطاغية يزيد: ”فكِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدك، فوَاللهِ لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت وحيَنا، ولا تُدرِكُ أمَدَنا، ولا تَرحضُ عنك عارها «أي لا تغسله»، وهل رأيُك إلاّ فَنَد، وأيّامك إلاّ عَدَد، وجمعك إلاّ بَدَد!! يوم ينادي المنادي: ألاَ لَعنةُ اللهِ علَى الظالمين!“.

كذب الموت فالحسين مخلّد *** كلّما مرّ الزمان ذكره يتجدد