آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

المنافق ذو الوجهين

صالح مكي المرهون

النفاق هو التعامل بوجهين ودائما صاحبه يتعامل بخبث وهو معروف على مستوى انواع الخبث والنفاق، أما صورة النفاق لا يوجد تحديد له مطلقا، ولكن صورته الاجتماعية تندرج في الازدواجية والخبث.

وأهم أسباب النفاق سببان هما: الأول هو المصلحة، فمعظم النفاق في المجتمع يأتي عن طريق الجري وراء المصلحة والائتمام بها أينما كانت أو سلكت في طرق الواقع، لذلك تقتضي هذه الطرق النفاق والعمل بخبث فيفعله سالك هذا الطريق رغم حرمته الشرعية وكرهه من النفس الفطرية، مع علمه بأن هذا حرام، وطبعا هذا الكلام موجه للمسلم، والمسلم يكون منافقا، وتعلم نفسه أن هذه الازدواجية مخالفة لما فطرت عليه من اتباع الطريق الصحيح، ولكن شدة التعلق بالمصلحة جعلته يلقي بأحكام الله وراء ظهره سعيا لتحصيلها.

وليست بالضرورة ان تكون هذه المصلحة دنيوية مادية بل تكون روحية ومعنوية، وقد تكون لتحصيل معلومة دينية وكلها ملذات للنفس خارج إطار الدين ومخالفة للشرع، اي إشباع النفس بالملذات مخالفة للشرع والدين ولأغراض شخصية ونفسية.

والسبب الثاني هو المرض لأن النفاق هو مرض نفسي وهذا المرض يحصل في اوقات قليلة أو شاذة، فالمريض بالنفاق يعاني من اختلال في النفس والعقل وتكوينهما بحيث إنه يتصرف لاإراديا، فطبيعة نفسه ترتاح إلى النفاق، ولذلك يميل إلى فعله ويتمسك به، فهذه النفس تكون ضعيفة ومهزوزة ومريضة، فالمنافق يظهر في كل دين ومكان وزمان ويكون ضعيف الشخصية.

فالإنسان القوي الشخصية يلتزم بما يريد في فكره ونفسه، فإما أن يكون مؤمنا حقيقيا فيكون وفيا لنفسه ولمجتمعه، او يعلن فساده وكفره فيكون وفيا قويا في ذاته، وإن كانت هذه القوة شيطانية لكنه حكم موضوعي وتحصيل حاصل.

والمنافق ذو نفس مريضة ومهزوزة، والنفس إذا اهتزت أحوالها تقلبت من حال إلى حال في كل شيء، لأنها اصلا لا تسير على نظام معين يقيم الأمور وفق تقييم ثابت وواضح، فلذلك فهو متخبط سلوكيا واعتقادا ومن صور هذا التخبط الخوف الشديد لعدم وجود إيمان في قلبه حقيقي بالله، وهذا ما يجعله يتقبل أي دعاية، او تزويق لمن يراه قويا.

والنفاق يجر وراءه سلوكيات أخرى سيئة جدا وهذه من طبيعة الذنوب التضاعفية وإذا انكشف أمر المنافق فإنه يتحول إلى صيغة جديدة كلها سوء وكذب على الناس بل الكذب حتى على نفسه فيصدق نفسه بأنه فعل وهو في الحقيقة ما فعل الا بسوء نية او لم يكون ما فعله عن تدبير وتعقل.

فالنفاق هنا تتغير صورته في ذاتها، والقرآن عرض جوانب كثيرة للنفاق في المجتمع، والنفاق في الدين وحذر منه نذكر بعضها قال الله تعالى: ﴿بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما ويصعب عرضها كلها لأنها كثيرة، والقرآن تحدث عن الأعراب بأنهم منافقون وشديدو النفاق قال الله تعالى ﴿الأعراب أشد كفرا ونفاقا وهذه الآية هي خير مثال والمقصود بالأعراب من كانت أولويته حب الذات والتعصب لها حتى على حساب الدين بخلاف المؤمن التي يعمل لوجه الله وتنصهر ذاته في ذات الله وفي دين الله.

فمن كان مخلصا لنفسه متقوقعا عليها ويرى الأشياء بمنظارها فإنه يذهب وراء مصلحته أينما ذهبت ولا يبالي ولو كان طريقها ارتكاب المحرم، ونفاق الأعراب بالمعنى الذي ذكرته هو نفاق المصلحة الشخصية لا تختلف عن النفاق الاجتماعي في شيء من هذه الجهة،

ويكون التعامل مع المنافق أحسن طريق هو تجاهله وإهماله اجتماعيا، فإذا كان الأمر نفاق فهو يخص العقيدة فكشفه وتحقيره وتشهيره واجب، ومن تجاهله أي عدم الانشغال به أكثر من اللازم.

والطريق الآخر هو محاولة إقناعه في نفسه والتأثير عليها لا التأثير في عقله يعرف الصواب ولكن الخلل في نفسه وفي ذاتها، ﴿قل لهم في أنفسهم قولا بليغا فيجب هنا المداراة التي هي نصف العقل، فلا لها علاقة بالنفاق فالمداراة تعني اختيار الطريق الأسلم للتعامل مع الناس والمجتمع، والتعامل مع الناس له عدة طرق، ويخطئ من يعتقد أن الناس لهم طريقة واحدة في التعامل مع الناس والمجتمع.

فالطرق هنا كثيرة للتعامل مع الناس والمجتمع تعامل معهم بصدق ووفاء بأمانة واخلاص وحسن الخلق والمساعدة والمشاركة في المجتمعات بوضوح ومعرفة وصدق النية وان يكون عملك لوجه الله مخلصا لا نفاقا ولا رياء لتكون بوجه واحد وهو الإخلاص والإيمان والتوجه إلى الله وحده.

اللهم ابعدنا عن النفاق والمنافقين واجعلنا من المؤمنين المخلصين بصدق وأمانة انك سميع مجيب.