آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

العبادة مع المعصية

صالح مكي المرهون

لو فرضنا إنسان تصدق بخمسين ريالا وآخر تصدق مثله، إلا أن الآخر لا يعتقد أن الصدقة لها نفع قوي أو أن الصدقة لا تنفع، والأول يعتقد بأن الصدقة لها نفع قوي وأجر عظيم، فهل يكون مردود الصدقة على الاثنين مردودا واحدا؟ طبعا مع فرض الاشتراك في الأمور الأخرى. هذا هو موضوع مهم للغاية.

فليس القصد من المعصية في العنوان هو عمل المحرم وتأثيره على العبادة، بل المعصية هنا معصية اعتقاد أو تقليل لأهمية العبادة، فأحيانا يكون الإنسان ما معتقدات منحرفة وأفعال ما سقيمة، وأحيانا العكس، وعندما تكون المعتقدات منحرفة فإنها لا تثمر فعلا صحيحا، أو لا تأثر في أن يكون الفعل الصحيح في محله وبقوته، ففي المثال المتقدم لو اعتقد أن الصدقة لا تعطي نفعا قويا للمتصدق فإنه لن يستمر في هذا الفعل الحسن، وسبب عدم استمراره هو عقيدة غير صحيحة وإيمان ضعيف، فبسبب هذه الفكرة تراه يترك الفعل حتى دون علم منه لماذا تركه، والعكس عندما تكون عقيدته صحيحة وأفعاله سيئة، ستكون أفعاله السيئة هذه دون إصرار عليها، ويقابلها بندم قد لا يظهر عليه، يظهر عليه فقط الحزن والوحشة من الفعل، إذن الاعتقاد الصحيح المطلوب أولا حتى تستقيم النفس والروح والعقل، أما استقامة النفس فهي سبب اقبالها على عمل تعتقد منفعته، إذن هي في سياق نفسي صحيح، وأما الروح فهي متأثرة بفعل النفس وما يطرأ عليها، وأما العقل فسيكون مسقرا لعدم وجود الاعتقاد الصحيح قد يؤثر في تقليل أثر المعصية والعكس صحيح.

التناقض بين الفكرة والعمل

فمثلا إذا اعتقد إنسان أن النظر المحرم لا تأثير له فيه، أو أن ما يقال من تأثيره غير صحيح، فستكون نظرته هذه المحرمة أشد تأثيرا فيه من نظرة غيره المعتقد بتأثيرها، وإذا اعتقد أن صلاته لا تعطيه الانطلاق الروحي، وإنما يؤديها لأجل أنها مطلوبة منه، فهذا الاعتقاد يجعل صلاته فعلا كما يعتقد، حتى وأن فرض أنه صلاها بخضوع وخشوع وأذكار وما شاكل، واقعا هو لن يصليها كذلك مادام هذا اعتقاده، ولهذا فعندما نقدم على معصية ما أو نشعر بأننا قصرنا مع الله تعالى في شيء فلنقدم على صلاتنا بشعور أنها المريحة المنقذة لنا، بشعور أن الله يقبلني عندما أتيت للصلاة، وهكذا في بقية العبادات.

فهذا أجدى تجاربا من الصلاة بشعور معاكس، ومثال آخر إذا اعتقد أن فرحه في يوم مولد المعصوم لا أهمية له فلن تكون نفسه مهيأة لاستقبال عطايا المولد وهكذا، ثم إن هذا الاعتقاد وإن كان غير محرم في موارد كثيرة إلا أنه عند العارفين والواصلين إلى مرتبة عالية من القرب من الله يرونه معصية مؤثرة، كما قلت على العقل والنفي والروح، يرونه أنه مثبط لشعلة الانطلاق الروحي، وداعيا لترك العمل الصحيح كما في مثال الصدقة، أو مقللا لتأثيره كما في مثال الصلاة وغيرها، اللهم وفقنا للعبادة التي هي في رضاك وابعدنا عن المعصية أنك سميع مجيب.