آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 1:31 ص

حديث الروح «8» ‎‎

ياسين آل خليل

وصلت وقاحة البعض من الناس أن يعطوا لأنفسهم حقوقًا في قَول ما يُريدون كيف ومتى يشاؤون، مع جاهزيتهم لتبرير ذلك بطريقتهم الخاصة، معتقدين أنهم يحملون من الإستقامة ما لا يُقاس. عندما تصل المزاجية عند هؤلاء إلى هذا المستوى من المُغالاة والكبرياء، فإنهم يُدركون أنهم ليسوا بحاجة للشعور بالذنب على اغتياب الآخرين، لأنه دائمًا وأبدًا يضعون أنفسهم في موقع الضحية، وإن كان هناك من خطأ فهو خطأ الآخرين.!

يا ترى ما الذي أوصل هؤلاء الناس الى هذا المستوى من العجز والوهن..! ما الذي سمح لهم أن يُراكموا هذا الكم من الضغينة تجاه الآخر والعمل بشتى السُبُل لتَقزيمه وتدميره، ودون أن يرف لهم جفن..؟ هل تُقْدِم هذه العينة من الناس على فعل ذلك من باب كون الشخص مختلفًا قلبًا وقالبا عنهم، وأنه يتطلب منهم عَملا جَبّارًا ليُطوعُوا أنفسهم حتى يقتربوا إلى ما وصل إليه ذلك الشخص من تربيةً للنفس وتهذيب للضمير..؟ أو أن السبب قلة في وعي أو نقص في إدراك أو تشوش في إحساس..!

من الطبيعي جدًا أن تجد هذه الشريحة نفسها تائهة غير قادرة على التحكم في ذاتها وما تصدره تلك العقول التي يحملونها من أفكار وهمية. ففي الوقت الذي تتاح فيه الفرصة لِلَمْلَمة ما بعثرته السنين، ترى هؤلاء يفتحون الجروح ويسكبون عليها المزيد من أليم القول اللاذع والغير مسؤول. وللأسف تجاه أفراد هم أبعد ما يكون لهم تأثير على مجريات الأحداث في حياة هؤلاء. ألا يدعو هذا الأمر إلى الاستغراب والسُخرية والاستهجان..!

”الأفكار التي نسمح لها أن تشغل مساحة من عقولنا، على اختلافها وتنوعها، إما أنها تخلق الجمال بكل تجلياته، أو أنها تعمل على تدمير ما تبقى من بصيص أمل في انفراجة كرب. هل سبق لك ملاحظة أن بعض الأفكار أو الملكات، تجعلك تشعر أنك أكثر جمالًا بين الناس، أو أنها تخلق ذلك التمايز بين الأفراد، فتجعل أحدهم يبدو أكثر قربًا لقلبك وجاذبية لك عن غيره..؟“ مقطع من مقالة ”جمال العقول“.

مقطع اخر من نفس المقال ”في زمن يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم، بات الكثير من الناس يهملون أفكارهم، ويوجهون جُلّ اهتمامهم وطاقتهم الى كل ما هو مادي بحت. صار الأمل في تحقيق تغيير إيجابي يتضاءل شيئا فشيئا، حتى تحول إلى أمر من الصعوبة بمكان. اليوم وبعد أن وصل الحال إلى مستوى مترد وغير مرض لأحد، انتفض العقل الجمعي لينذر بالخطر قبل وقوعه، لأن التفكير السلبي المسيطر وصل إلى حد كبير لا يمكن السكوت عليه.“ إذا أردت قراءة المزيد تفضل بزيارة هذا الرابط مشكورا.

https://jehat.net/?act=artc&id=60895

نحن نصنع مستقبلنا من خلال معتقداتنا الخاصة والتي تتحكم في كل شيئ نقوله أو نفعله. بدلًا من أن تستثمر هذه المجموعة من الناس طاقتها في الهلوسة وتبديد الوقت في القيل والقال، والتفكير في أشياء هي أبعد من أن تلامس الواقع في شيء، بات عليهم في المقام الأول، أن يبادروا بمعالجة مشاكلهم الأساسية والتي عملت على مدار سنين طويلة في لعب دور مفصلي في العبث بعقولهم حتى أنهكتها فلم تعد قادرة على العمل بكفاءة.

"ضَحكتُ فقالوا ألا تحتشم..؟ بكيت فقالوا ألا تبتسم..؟ بَسَمْتُ فقالوا يُرَائي بها، عَبَسْتُ فقالوا بَدا ما كتَم.. صَمَتُّ فقالوا كليل اللسان، نطقت فقالوا كثيرَ الكلام.. حلمت فقالوا صَنيع الجَبَان ولو كان مُقتدرًا لانتقم.. بَسَلت فقالوا لِطيش بِهِ وما كان مُجترئًا لو حَكم.. يقولون شَذّ إن قُلْتُ لا، وإمّعَةً حين وافقتهم.. فَأيقنتُ أني مهما أرد، رضى الناس لابُد من أن أُذَمْ" والكلام للشافعي رحمه الله.

من المؤسف أن نسبة لا يستهان بها من الناس وهم يتقدمون في العمر، يرون مثالين فقط لكيفية التواصل والتعامل مع الآخر، السلبية والعدوانية. عندما يُصبح الحديث السلبي عادة، فمن الطبيعي أن يتأثر المزاج العام للفرد ويشعر بالقلق والضيق.

حتى يتغلب الإنسان على هذه العادة ويصبح من أصحاب العقول الجميلة والفهيمة ويشعر بالسعادة، عليه أن يتوقف عن فرضية أن الناس دائمًا وأبدًا يكيدون له في الخفاء، بغض النظر إذا كان ذلك صحيحا أم لا. عندها فقط سيتمكن هذا الفرد من أن يكون مُلْهِمًا ومُمْتِعًا ولافتًا وجاذبًا للآخرين.