آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 8:31 ص

كَتَبتْهُ سيدة!

ليلى الزاهر *

في عالم مضيء بالتغييرات الاجتماعية وبين طرفة عين وانتباهاتها أمسكتْ بمقود مركبتها الفارهة تقودها بحريّة ودون أن يعترض طريقها أحدٌ.

وعلى شاطئ البحر افترشت السماء وبين يديها قدح من الشاي قد أبحرت بين حروف كتابٍ كَتَبتْهُ سيدة.

جال بخاطري أبجديات كثيرة وكلمات أبت أن تنتظم بين يديّ إلى أن استقرّت بين رقعة مقاليّة لاتستطيع أن تفي بآلاف الأفكار المحتشدة على مسرح أطروحاتي، لكنها أخيرًا انتصرتْ بعد صراع لم يدم طويلًا.

بداية أثني على كلّ امرأة استفادت استفادة حقيقية من مصرع المرأة الممزقة فارتدت أجمل كساء واكب التغير الاجتماعي وانتهزت فرصة التغيير لصالحها.

باختصار شديد أظْهرَ التطور الاجتماعي كنوزًا من النساء لمن في أرواحهن كنوز.

وليس لمن اكتسبن شهرةَ المظاهر الشكلية بحسابات أكواب القهوة وعمليات التجميل الصارخة.

إننا بحاجة للتغير الاجتماعي كضرورة مُلحّة؛ فهو سنّة كونيّة درجت عليه المجتمعات الإنسانية، وخاضغماره الأفراد. وقد أثبت العلماء قدرة الدماغ البشري على إعادة تنظيم نفسه بصورة جيدة كلّما مرّ بفترات النضج المختلفة؛ فالإنسان بفكره العشريني يختلف عن نفسه بفكره الثلاثيني والأربعيني مما يشير إلى أن العقل المرن يمتلك مضمونا ديناميكيًا فضلًا عن قدرته الهائلة على تغيير نفسه للأفضل.

والتغيير النّوعي نقلة كبرى من صفحة الحياة الضيقة إلى صفحة متسعة الأرجاء، فثمّة إنسان يخرج من شرنقة بائسة إلى فم الحياة الزاخر، وثمّة إنسان آخر يبحث عن نفسه فيشعر بنشوة تتجاوز حدود آفاقه؛ فليس هو الإنسان ذاته ولا المكان مكانه كما يقول الفيلسوف الإغريقي هرقليطس:

«إنك لا تخطو في النهر الواحد مرتين، فلا أنت نفس الشخص الأول ولا النهر نفسه كذلك»

ولايخلو أيُّ مجتمع من تغيير يستهدف جميع فئاته ويخصّ المرأة بنصيب وافر من ذلك التغيير باعتبارها الركن الأساسي في بناء الأسرة أولا والمجتمع ثانيًا.

وتظهر التكنولوجيا كقوة داعمة لجميع التطورات والتغيرات وخير شاهد على ذلك إظهار نماذج مختلفة من الإنجازات المتعددة التي طرقت أبوابنا وسمعنا بها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي مالم نستطع تقصي خبره لولا وجودها. فتمخض عن تواصلنا الرقمي نقل أخبار كثيرة، وإثارة زوابع متعددة سجّلت المرأة فيها حضورا قويا كان بين طرفي النقيض فالبعض كان مؤيدًا والآخر كان رافضا، غير أن المؤيدين والرافضين لإثراء الحركة النسوية اتفقوا على تأييد الحركة النسوية الزاخرة بالتطور العلمي والمعرفي وبما يخدم الجانب الإنساني والمهني.

وهذا مايؤيد قبول التغيير الذي طرأ على المرأة برفقة مقاييس خاصة يفرضها أصحابها لظهور المرأة بقالبها الجديد المُنجِز حيث يُسيّرها ركب التطور في أسمى منازله مع عدم التنازل عن كونها الأم المُنجبة للأجيال الأبطال الذين يطاولون عنان السماء بتوجيهاتها ومرئياتها.

وكلّما تقدمت المرأة في مضمار الحياة اكتسبت قوةً مادية واجتماعية أقصتْ كل ما يُقال بأن عواطفها أجنحة لحياتها، وأنكرت نقص عقلها ودينها، بل أنها سوف تكتب على جدارية الزمن الحالي:

«لاظلّ تستظل تحته المرأة حيث حاجتها إلى نور»

وهذا ما يجعلني أشعر بنفور من المثل المصري الدارج عندنا «ظلّ رجل ولا ظلّ حائط» والذي يكشف عن تصورات باهتة جدا في حقّ المرأة ويثبط همة المرأة بجانب الرجل، إذ لم تثبت حاجة المرأة للرجل بمسمى رجل فقط.

فيصبح الأمل عندها مجرد يوم صيفي جميل، وتركب موجة ظالمة تُخفي قدراتها خلف أبواب موصدة ثمّ ماتلبث أن تكون بحاجة لاِنْتِفَاضَة عاصفة تعصف بمجريات الأحداث من حولها وتعيد الأنصبة في موازينها المُنصفة كما حدث في القرن السابع والثامن عشر

فإذا بحثت عن سيرة «المرأة الأديبة» فسوف يظهر لك هذا المصطلح الذي انتشر في القرن السابع والثامن عشر حيث ظهرت مجموعة من النساء المخمليات في الوسط الأوربي قمن بإنشاء صالونات أدبية، أصبحت فيما بعد من الصروح الثقافية الشامخة وساهمت في تطوير وإثراء الحركة الأدبية في الحياة الباريسية والأروبية، كان من أبرزهن الكاتبة والروائية مادلين دي سكودري التي كانت تنشر إنتاجها الأدبي باسم «سافو» وهو اسم مستعار عُرفت به، كما أنّ بعض مؤلفاتها نُشرت باسم أخيها إلى أن أميط اللثام عن اسمها الحقيقي وظهر خلفه موهبة أدبية حاول المجتمع إخمادها.

إنّ جميع التغيرات المحمودة تلقى صدى يسدّ الرمق، وتتعهد الناس بالحب وعاما بعد عام يتأكد وجودها، وتخلق لها أبطالا يخرجون الناس من ظلام الحياة إلى نورها الأبلج.

تحياتي لمن يحترم الرأي والرأي الآخر حتى إذا لم يتفق مع مضامين فكره، وسمو مقاصده.