آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

مجهر النقد اجتماعيا‎‎

السيد فاضل علوي آل درويش

الأفكار والمواقف المتداولة في الساحة الاجتماعية تلقى صدى من النقاش والحديث حولها، فيبدي البعض تصوره حول تلك القضية إيجابا أو سلبا، أو حياكتها بنحو آخر يتجنب فيه ما يراه من أوجه الاشتباه والتقصير، ومجرد إبداء وجهة النظر حول الفكرة أو السلوك لا كلام ولا نقاش حول كونه حقا لكل فرد يتعامل معها بجدية ومسلك منطقي بعيدا عن الاستهزاء والشخصنة، ولكن المسلك المذموم هو ما اتخذ مسار الهدم والتسقيط وانعدام الفائدة، إذ ما الجدوى من الحديث والانتقاد لشخص في غيابه، أليس هو إظهار مثالبه وسقطاته وعيوبه وتداول ما ارتكبه من أخطاء لتكون محور الكلام في المجلس، وكأن مثل هذا المتحدث يخلو من كل عيب ونقيصة أو هو يحاول إظهار نفسه بالشخص الكامل النزيه، ولعل البعض يحاول من منطلق عقدة النقص أن يبعد العيون عن عيوبه بتركيز أذهانهم حول عيوب فلان وفلان، كما أنه يحاول أن يأخذ مركزية ومكانة بين الجلساء بإظهار نفسه كالخبير الذي لا يفوته شيء ولا يخفى عليه ما يدور في كواليس البيوت والمنتديات وما يهمس به المتحدثون، إذ - للأسف - هؤلاء المتغولون يجدون ما يشابههم ممن يتوقون للتلصص على أحوال الناس وخصوصياتهم ويشغلون أوقاتهم بها؛ لأنهم - ببساطة - لا يمتلكون ضميرا ينهاهم عن التجاوز على حدود حياة الآخرين، ووضاعة أنفسهم وضعفهم في ميدان تحقيق الذات والإنجاز يجعلهم يبحثون عما يقتاتون عليه من لحوم الناس، فهؤلاء كالسباع كلما نهشت لحما ازدادت ضراوة وبحثت عن مائدة جديدة، متناسين حقيقة أن من يبحث عن عيوب الناس وانتقادها بنحو سلبي «فضائحي» يغفلون عن تصحيح أحوالهم وتقويم أخطائهم.

نقد الآخرين في غيابهم ينطوي على نفس داخلتها الكراهية ولازمتها غيبة الغير، وانصبت جهوده على تشويه صورة الغير وتسقيطه من أعين الناس والنيل منه ما استطاع إشباعا لنفسه المريضة، وهذا الفعل - التشويه - يكشف عن نفس مريضة ومصابة بمختلف الآفات الأخلاقية وأهمها الجبن عن مواجهة ومصارحة الغير.

النقد الإيجابي يصدر عن نفس محبة للخير والصلاح والتقدم للجميع، نصيحة ذهبية نافعة تعالج بعض أوجه التقصير والخطأ وتدعو لتجنب المزالق الأخلاقية والنقائص، كما أن النقد الإيجابي يأخذ منحى الأسلوب المناسب لطرح النقطة المراد الحديث عنها بكل لين ولطف، فإن الحقيقة مرة وإن كانت مجدية النفع كالدواء تماما، إذ هناك من يحاول أن يكحلها فيعميها كما في المثل، فيقدم النقد بإطار يكسر نفس المتلقي ويجرح مشاعره فيأتي ذلك بنتيجة معاكسة للمرجوة، ولذا لابد من الإعداد الجيد وانتقاء الكلمات الرقيقة المناسبة فإن النية السليمة لا تكفي لوحدها إذا وجهت بأسلوب حاد.

النقد الإيجابي لأي تصرف أو سلوك لا يعني المواجهة والخصومة وهذا ما ينبغي إفهامه للمتلقي، ويطيب نفسه أن يسمع النقد بحكمة المنطق ولين الكلام، والحديث معه لوحده يكون أدعى لقبوله النقد، فإن الكلام بحضور الآخرين أشبه ما يكون بالفضيحة وهذا ما لا يقبله أحد، كما أن الاحتفاظ بالنقد وعدم إدراجه في الحديث في المجالس ينبيء عن صدق نية المنتقد، فلا أحد يقبل أن تكون خصوصياته محط التناوش وعرضة للتداول.

كما ينبغي اختيار الوقت المناسب للانتقاد والذي يكون المتلقي فيه مرتاحا نفسيا وبعيدا عن موجات الانفعال أو الضيق والتعب، فقد لا يقبل أي انتقاد لا لعدم اعتقاده بصحته بل لأنه مشوش الفكر ومتضايق نفسيا فيحب الخلود للهدوء والراحة، وعلى المنتقد اختبار مزاج المتلقي بالأحاديث الجانبية فإن رأى الوقت مناسبا طرح ما يريده.

في النهاية فإن النقد الإيجابي لأي فكرة أو خطأ من أحد لابد أن يطرح في إطار يوحي للمستمع أنها نصيحة محب؛ لنرجو بعدها أن يتقبل ذلك ويعدل ويعالج الأمر دون استنكاف أو تأفف.