آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:19 م

بين يدي سعادة الحر الرياحي

في سيرة هذا العظيم دروس وعبر كثر نستلهم أهمها وهو طريق التوبة والرجوع إلى الله تعالى، فليس بوسع كل واحد أن يعدل من وضعه إلا من امتلك وعيا وقوة إرادة، فإن من طرق الشيطان الرجيم الخادعة هو شن حرب نفسية على المذنب تتضمن تهويل وتضخيم ما ارتكبه من معاص خربت علاقته بالله تعالى، وما يزال به حتى يجعل للعقوبة حضورا حسيا لا مفر منه ولا فائدة بعد ذلك من أي عمل صالح يقدمه، فيفتح له إبليس باب استمراء الآثام والاستمرار عليها فإن ذلك لن يغير شيئا ما دام قد حقت عليه النقمة الإلهية، كما أن الرجيم يصور له عظم ما أقدم عليه ولا يمكنه يوما أن يؤوب إلى الحق فما اقترفه ليس سهلا ولا يمكن للتوبة أن تظلله أبدا!!

في لحظة تيه وضياع يحياها العاصي يجد رجلا نورانيا يقترب منه شيئا فشيئا فيرى في قلبه بصيص الأمل، فيرفع هذا العاصي رأسه بتثاقل فقد نخر في جسمه اليأس من رحمة الله تعالى، ولكنه يجد في نفسه الرغبة في الحديث فجاذبية الرجل النوراني أخذت بمجامع قلبه، يراوده الحديث عما به لعله يجد في ذلك متنفسا يخفف عنه عبء الهموم المتراكمة عليه، يبتغي الشكوى من سوء حاله وما وصل إليه من دائرة الخطر المحدق به، إنه لم يفعل ما يتدارك به خطاياه ويمكنه من الرجوع إلى الصواب والسداد، بل فعل ما انزلق به إلى هاوية جهنم في شرة السهو والغفلة والاستهانة بالمعاصي، وها هو اليوم بين يدي من جعجع بالركب الحسيني وروع بنات الرسالة وكاد أن يقضي على نفسه لولا عناية الله تعالى ويقظة نفسه السعيدة وإرادته التي قادته نحو التراجع والتغيير والاندفاع نحو الحق، فهل يسأل العاصي وهو بين يدي من أزهرت التوبة منه بعد تماد وغي غير مسبوق عن عوامل النجاة؛ ليتعلم من هذا المقدام «رض» معالم التوبة وعناصر القوة في الشخصية إذا أرادت التخلص من شوائب العيوب وكدر الآثام وسخط الرحمن؟

فقدان البصيرة تغيب عن المرء مسئولية التكليف الموجه له، وقد يعتقد بأن هذا التصرف الخاطيء هو ما ينبغي فعله وما يمليه عليه عقله والشرع، وهذا ما حدث مع الحر «رض» والذي كان يعرف مكانة الإمام الحسين الدينية والاجتماعية ولا يجرؤ على التشكيك بها، ولكن سوء الحال وصل به إلى أن يجعل من رقبته جسرا يمر عليه الأعداء وعونا لهم ليقتلوا سبط رسول الله ﷺ، وهذا ما يؤكد على أهمية محاسبة النفس والحديث معها بصوت عال حينما يقدم المرء على أي خطوة ويدرس عواقبها، والتي قد تودي به إلى المهالك إن لم يحسن التفكير ويدير أموره وفق أحكام العقل الرشيد، واقتراف المعاصي والاستمرار في طريق الخطايا ينطوي على أشد المهالك إذ يعرض المرء نفسه لسخط الله تعالى وعقابه، ولن يمنحه مناعة قوية أمام مغريات الشهوات وتزيين الشيطان الرجيم إلا التفكر جيدا في مشهد يوم القيامة وعرض صحيفة الأعمال للحساب وما يتلوها من جزاء، وهذه الآيات القرآنية كثيرا ما تتحدث عن أهوال وألوان العقاب لتكون مذكرا للإنسان الواعي وليرتدع عن غيه وغفلته واسترساله في الاستجابة للنزوات.

كما أن العامل المهم في استدارة الإنسان نحو الحق والفضيلة ورفض العيوب والنقائص هو الإرادة القوية والهمة العالية التي تنتشله من وحل الخطايا، فالتفكير الناقد والتقويم الذاتي لما يصدر من الإنسان هو الخطوة الأولى في تحصيل التقوى والاستقامة، ولكن التطبيق العملي لما يفكر به هو النتيجة المهمة والمتحصلة من الوعي والنضج، وتعتمد حركة التغيير الإيجابي على إرادة المرء على ترك ما سبق من الخطايا، ولا ننسى أن للشهوات والأهواء لذة وجاذبية للنفس غير الملجمة بالتهذيب والتربية، فلا يجنبه الاستمرار في المعصية وارتكاب الخطايا إلا تظافر حركة العقل والعزم الأكيد على التصحيح واسترداد عافية القوة في ممانعة تسويلات الشيطان الرجيم، كما كان عليه البطل الحر والذي أخذ يوازن خطاه بمنظار رضا المعبود وسخطه، وأخذ يستحضر مشهد يوم القيامة وهو يطلب النجاة بشفاعة المصطفى، فكيف ينالها أو حتى يستطيع رفع رأسه أمام من شارك وحرض على قتل سبطه ؟!

لقد تعلمنا من سيدنا الحر الرياحي أن باب التوبة النصوح لا يقفل بوجه العبد العاصي أبدا، مهما ارتكب من خطايا وتطرف كثيرا في درب الفسوق والفجور، فإن العفو الإلهي وقبول توبته ينتظره عند أي منعطف يقرر فيه العودة عن الانحراف الفكري والسلوكي.