آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 11:13 ص

عبدالعزيز وأترابهُ في لُجةِ التغيير!

حسن المصطفى * صحيفة الرياض

اعتلت منصة ”منتدى مبادرة الاستثمار“ الذي عُقِدَ أكتوبر المنصرم في العاصمة السعودية الرياض، عالمةٌ سعودية تتحدث بثقة، معلنة أن المنتدى ”سيجلب أفضل العقول الشبابية بالعالم من أجل إيجاد تأثير إيجابي للبشرية“، وأن المنتدى ”سيكون منصة للتعاون والشراكة تناقش نقاط الأولويات والرعاية الصحية والذكاء الاصطناعي“؛ تلك هي البرفسورة غادة المطيري، الفتاة السعودية التي لم تجعل التفكير التقليدي المجتمعي يحد من طموحها، وشقت طريقها بنجاح نحو التفوق الأكاديمي لتصبح تالياً ”أستاذ الكيمياء الصيدلية وعضو هيئة التدريس في أقسام الهندسة الحيوية وهندسة النانو“.

هذه التجربة الطموحة التي خاضتها المطيري بشجاعة، يجب أن تكون نصب عين الفتى عبدالعزيز وأترابه، وهو الشاب الذي كتبتُ عنه المقالة السالفة، حول النقاش الذي دار بينه وبين أبيه عن مستقبل السعودية، والتغيرات العميقة التي تمر بها.

في ”منتدى مبادرة الاستثمار“، على عبد العزيز أن يلحظ، أن المحفل الذي حضرته شخصيات علمية واقتصادية وسياسية، في مقدمها ولي العهد السعوي الأمير محمد بن سلمان، وأيضاً وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، وسواهما؛ هذا المنتدى افتتحته عالمة سعودية، وألقت الكلمة مرحبة بالضيوف المشاركين، وهو إشارة مهمة عن الدور الكبير الذي باتت النساء السعوديات يمارسنه، وانخراطهن المباشر في ”رؤية 2030“.

غادة المطيري، وأمثالها من الكفاءات العلمية بِتنَ محل التقدير، لعلمهن، وما أنجزن من أبحاث، وليس بسبب المكانة العائلية أو القبلية أو المال الوفير أو السلطة. هو تغير في طريقة التعاطي المجتمعي مع أفراده!

اعتاد الناسُ على تقدير الرجل وتأخير المرأة، والاحتفاء بصاحب الثروة والسلطة وشيخ العشيرة ورجل الدين، وباتت لهم كلمة وسطوة على بقية الأفراد، وتحول هذا السلوك لما يشبه العرف الثابت الذي يتبعه الكثيرون.

عندما تدخل مجلساً، تجد المليونير أو عالم الدين أو شيخ القبيلة مقدمين على بقية الحضور. وقد يكون في المجلس عالماً كبيراً في الرياضيات أو الفيزياء أو لغوياً بارعاً، أو مختصاً في الجينات، إلا أنهم لا يجري تقديرهم بذات الكيفية، ولا يوضعون في صدر المجلس، لأن ”العلم“ في حد ذاته ليس قيمة رفيعة الشأن بنظر الحضور، والرفعة والمكانة تتأتى عبر: المال، القبيلة، الدين!

ما حصل في ”منتدى مبادرة الاستثمار“ هو قلبٌ لكل هذه القيمِ الزائفة، وإعادة الاعتبار لـ ”العلم“ و”الإنجاز“، وأيضاً وضع المرأة على قدم المساواة مع الرجل.

بالتأكيد المجتمع لم يتغير بأكمله، فهنالك ما تزال ثقافة قارة، راسخة، من الصعب أن تتصدع خلال سنوات معدودة، بل تحتاج إلى جهد كبير وعمل مستمر وإشاعة ”التنوير“ الحقيقي بين أفراد المجتمع، وعدم التردد أمام الصعوبات التي قد تواجه ”رؤية 2030“، خصوصاً أن هنالك عملية ”قلب للقيم“ يجري العمل عليها، وفيها يتم إزاحة تلك الخطابات الأصولية والرجعية وإحلال رؤى حديثة ومدنية مكانها؛ وهذا ”الإحلال“ سيكون له ممانعة من بعض القوى الأصولية وأيضاً شريحة من الناس الذين يعتقدون أن في ذلك مخالفة لما اعتادوا عليه من تقاليد، ولا يتوافق وفهمهم للطريقة المثلى الذي يجب أن تكون عليها الحياة!

إذن، عبدالعزيز، ابن صديقيَّ الأثير، هو وأقرانه من الجيل الجديد، هم اليوم في لجة التغيير والإصلاح، عليهم مراقبته، التأمل فيه، معرفة أهدافه ومآلاته، والمشاركة فيه عبر التركيز على الجودة في التعلم والتدريب واكتساب المهارات، وأيضا الانخراط في الأعمال التطوعية، وأنشطة المجتمع المدني، وولوج عوالم: السينما، الرياضة، الموسيقى، الأدب، الفنون، التأمل، القراءة، النقاشات الحرة، الأعمال اليدوية.. والأهم أن يكون العقل منفتحاً، مستقلاً، متقبلاً للأفكار المختلفة، يميز بين السقيم والصحيح منها، وأن لا يخجل من مواصلة النقاش والسؤال مع العائلة والأصدقاء والمحيط، لأن السؤال هو الذي يفتح نوافذ المعرفة الواسعة.