آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:56 م

فقراؤنا وفقراء ميخائيل

ليلى الزاهر *

يصف الإنجليز منتهى الفقر بقولهم: «أفقر من فأر في كنيسة»

وتناولت كتب اللغة وصف الفقر فقالت:

فقر مُدقع لفرط مابه من هزال

‏أما صديقنا ميخائيل نعيمة فيقول:

يغفل الكثير عن:

‏فقر الفكر للفهم والتوازن

‏فقر الخيال للجرأة والإقدام

‏فقر الروح لشبيهٍ لها.

آه يا مخائيل هي أمور لايفهمها من وصل إلى تخمة الأناقة في الحب، أو تخمة الإدراك في عقله الرياضي المتزن.

وهكذا تتوالد الكلمات من حروفها البسيطة دون انقاع لنسلها المبارك، أتعلم يا عزيزي ميخائيل أن صنوف الفقر قد فاضت على منسوب معدل تعدادك فلم تشهد ما ظهر في حياتنا من أصنافٍ جديدة من الفقر.

سوف أخبرك عن فقر الحقّ المدقع أولًا وهو ممزق الثياب رثّ الهيئة، تدور عليه الدوائر إلى أن يُدفن مع أهله وأحبابه، عندما يقبر الإنسانُ أخيه الإنسان حتى لايعيش فقيرًا لكنه نسي أن الفقر سيطاله مهما توغل في الحياة.

وكيف أصف لك فقر الدروب بالإنسان الذي يمتلك مهنة إنسانية مثل مهنة الطبيب ويغيب ضميره عندما تظهر الأموال في طريقه؟

ألم أخبرك ياميخائيل عن خطأ ذلك الجرّاح الذي استأصل مكانا خاليًا من الورم وترك الورم ينتشر في جسم المريض وأفقده حياته؟

أم ذاك الطبيب الذي توقف نبضها بين يديه بالأمس غادرت امرأة ثلاثينية الحياة بمسمى خطأ فادح كلفها حياتها؟

لماذا لم تذكر يا ميخائل فقراء الحب وقد تحدثت كثيرًا عن أوطاره؟!

لقد انتشرت أنواع كثيرة للفقر فأصبح الفقراء يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ حتى أصبح الحبُّ فقيرًا.

أفلت الحبّ من بين يدي العاشقين فغدا فقيرًا لأنه خلع رداء الإخلاص وارتدى

لباس المصلحة والمنافع المادية المتبادلة!

ألم تسمع عن العفاف المدقع ياصاح؟!

لم أخبرك عن فقر الحجاب فقد بكى كثيرًا من فقره لأنه عجز أن يغطي شعر المرأة بأكمله.

حتى الأسرة ذات الثراء الفاحش أصبحت تشكو فقر المشاعر واللقاء العائلي الجميل الذي يجمعها على مائدة واحدة!

أما الفقر الأكبر الذي نعاني منه في مجتمعنا فقر القلوب للفرح الحقيقي.

فهناك أم تبكي من أعماقها وهي جالسة مجبرة في زفاف ابنتها وسط أصوات الموسيقى المزعجة التي تشعرها بضيق - وأنا معها أيضًا - إذ لايحلو الحفل إلا بوجود فرقة موسيقية صاخبة تخرق أسماع من لم يعتد سماعها!

ويطول بنا المقام حتى نصنف فقراء زماننا الجُدد. لذلك سأتركك يا ميخائيل ترقد بسلام حتى لا أزعجك بحديث مطول عن أصناف الفقر التي غابت عنك وظهرت بين صفوف قوافلنا المسافرة التي خلت بضاعتهم من الآداب والأخلاق السامية فعاد الإنسان خاوي الوفاض من رحلة الشقاء تلك.

وغنيّ عن القول إن الإنسان مهما بلغ من الثراء الفاحش يظلّ مفتقرا لله تعالى يبثه شكواه وحزنه، ويشعر براحة تستوطنه عند الحديث معه يقول الحق تعالى في كتابه الكريم ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُإِلَى اللَّهِ وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ «سورة فاطر: 15»

بينما يعمل الشيطان جاهدًا لفك ذلك الرباط القوي بين الإنسان وربّه، تزخر أنفاسه بالوعود الخائنة للإنسان وتتسع رقعة أكاذيبه فوق أديم الأرض، يقول الله تعالى: ﴿الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَ اللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ «سورة البقرة: 268»

سيمضي بلا شك في حربه الطاحنة مع الإنسان ولن تتم له السلطة والغلبة إلا على ضعاف النفوس كما أُخبرنا بذلك.