آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 12:52 م

المحروس أيها المنبر الخالد

السيد فاضل علوي آل درويش

لقد رحل من دنيانا الزائلة من راموا الخلود بأعمالهم ومواقفهم فلا يمكن للزمان أن يلفهم بعباءة النسيان، بل أضحوا منارا يهتدى به في اغتنام الأوقات وعمارة الأرض قولا حكيما وخلقا رفيعا، فلا يمكن للذاكرة الواعية إلا أن تبسط المقام بين يدي مسيرتهم الشامخة ورحلة حياتهم المفعمة بالدروس والعبر، رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه من نذر أعمارهم الشريفة وجهودهم الحثيثة في صون العقيدة والمعارف الحقة وبناء الشخصيات الإيمانية الرسالية، فاستفادوا من عامل الزمان والمكان لبناء قدراتهم وإمكانياتهم ومن ثم توظيفها في حقل العمل التبليغي الذي لا يعرف الكلل ولا الملل حتى آخر ساعة من أعمارهم.

سماحة الشيخ عباس المحروس رحمة الله عليه يمم وجهه شطر الحوزات العلمية في النجف الأشرف وقم المقدسة لينهل من علوم أهل البيت ويتخذ من علمائها الأعلام بناة لروحه الطاهرة وسلوكياته وأخلاقياته القويمة، فهؤلاء الأعلام لا يكتفون بتغذية العقول بالمعارف وطرق التفكير الصحيح والتوجيهات التعذيبية وتقديم خبراتهم وقصصهم لتنهض بالفكر نحو الرشد والنضج فقط، ولكنهم قدوة عملية في مواقفهم وتعاملهم الراقي مع الآخرين ونهجهم العبادي والذي يعمل على تقويم سلوكيات الطلاب، وهذا ما يظهر جليا في مواقف الشيخ الراحل لكل من سمع منه أو تعامل معه، فقد عاد بعد رحلته الدراسية ليعمل بكل ما أوتي من قوة جنان وهمة عالية على نشر المعارف والعلوم الحوزوية وتدريسها لثلة من الطلاب بمختلف المستويات في عرف الحوزة، كما أنه في المسجد نهض مع المؤمنين لعمارته بصلاة الجماعة والبحوث الفقهية والأخلاقية والعقائدية.

والجانب الآخر الذي يعد معلما مهما في شخصية الشيخ الراحل هو الخطابة المنبرية التي صدح بها على مدى سنين متطاولة، فلطالما شنف الآذان بصوته الجهوري لذكر مصائب العترة الطاهرة في المناسبات المختلفة، مستدرا بأسلوبه الخاص دموع المؤمنين على فجائع الزمان بالطاهرين، كما أن الشيخ «رض» يعد امتدادا للمنبر الواعي الذي يضم مع جانب المصيبة جانبا مهما وهو المحاضرات التوعوية المعرفية، ومن استمع إليه يلحظ أنه يجلس بين يدي كتاب ثر يمتليء في صفحاته بالمعارف التفسيرية والعقائدية والتاريخية، وهذا يعد مؤشرا على ما كان يقضيه من أوقات متطاولة في سبيل توفير مادة علمية تثري العقول وتبني النفوس.

ومثلي لا يمكنه أن يوفي الشيخ رحمة الله عليه حقه فهناك من الأساتذة الأجلاء من كانوا لصيقين به في رحلته العلمية فينقلون لنا من مواقف ربطتهم بالراحل، وهذه الكتابة إنما كانت محاولة لتسليط الضوء على نتاج معرفي ومنبري تفخر به المنطقة والحوزات العلمية.

والأهم هو ما يوجهه لنا الشيخ الراحل من رسالة بلسان الحال وأهم ما تجود به قريحته من توجيهات تنفعنا في الدارين، فاغتنام الأوقات في النهل من العلوم يعد لذة ما بعدها لذة تنشط العقول وتحيي النفوس، كما أن المنبر الحسيني من أهم منابع المعرفة والتثقيف لجموع المؤمنين ولابد من الحفاظ عليه وتدعيمه وتقويته من خلال بناء الأجيال من الخطباء المفوهين والمعرفيين الذين يمثلون امتدادا للشيخ.

عزاؤنا في مصابنا الجلل نقدمه لصاحب الزمان ولمراجعنا وأعلام المنطقة وأسرة الشيخ «رض» الكريمة، ولجموع المؤمنين الذين ينتظر منهم الوفاء بشيء من حقوق الشيخ عليهم، فلا ينسوه في أذكارهم في محراب الطاعة ومشاريعهم التثقيفية التي يستحق اسم الشيخ أن يكون لها عنوانا ومعرفا.