آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 8:31 ص

وانقطع خيط الأمل ‎‎

ما هو المقصود بمفهوم اليأس من رحمة الله تعالى؛ لكي يعد من الذنوب الكبيرة الدالة على جفوة كبيرة وعلى بعد للعبد عن رحمة الله تعالى ولطف عنايته وتدبيره؟

اليأس بمعنى انقطاع الأمل وانعدام نقطة التغيير من الفكر والوجدان مما هو فيه المرء من سوء حال في صحته أو رزقه أو انغلاق الفرج عنده من الخروج من مشاكله، إذ أنه يقصر همته وعمله على ما يقع تحت يده من عوامل مادية وعلل تحقق المطلوب، ويغيب عن عقله من هو مسبب الأسباب والقادر على كل شيء، إنه عين الجهالة أن يغيب عن هذا الإنسان ما حوله من حركة جوهرية إنمائية لكل المخلوقات وكيفية توفير رزقها، فيا ترى: هل يمكن للخالق الكريم الذي بيده خزائن السماوات والأرض أن يضيق عليه رزق فقير أو تفريج هم مكروب؟

ما بين اليأس وتهالك قوى الإنسان وفقدان الحيلة للتغيير الإيجابي وبين الأحلام الوردية والقفز على الواقع وطلب اختراقه خيط رفيع هو العمل بالتكليف والتعلق بالأمل بالله تعالى، وذلك أن الله تعالى أودع في الإنسان القوة العقلية والوجدانية والحركية وغيرها ليكون قادرا على مواجهة طبيعة الحياة الممتلئة بالمتاعب والصعوبات والعثرات والتعامل معها بما يسعفه على مواصلة مسيره بثبات وإقدام، فالخسارة والسقوط والصدمات التي تهز كيان الإنسان بنحو مؤقت ليست بنهاية العالم، بل الشدائد مراحل يمر بها المرء ليفعل قواه ويبحث عن مخارج ليثبت وجوده واقتداره، وهنا تتجلى الرحمة واللطف الإلهي بالعبد في ساعة المحنة، حيث يأتيه المدد والعون من ربه ما كان صابرا ومثابرا وحاشدا قواه متوكلا على الله تعالى، ومهما كانت النتيجة في اتجاهها نحو مطلوبه ولو بنحو جزئي أو لا، فإنه يتقبل ذلك بهدوء ويعمل مجددا على فتح ثغرة في الجدارية المغلقة أمامه.

يقدم لنا كتاب الله تعالى دعما معنويا ونفسيا في مواجهة التحديات الصعبة لتجنب السقوط في أتون اليأس، من خلال نماذج في قصص الأنبياء والصالحين ممن واجهوا المحن فصبروا وعملوا في ظروف صعبة، ولم يفتروا لحظة عن طلب الفرج من الله تعالى أو العون على تحمل ما يواجهونه، وكذا في سيرة سيد المرسلين ﷺ وآله الطاهرين ما يقوي الهمم والإرادات للمؤمنين في مقابلة التحديات والعثرات بالصبر والتحلي بروح الأمل بالله تعالى.

وينطوي اليأس من رحمة الله تعالى والتشرنق حول النفس العاجزة على مساويء كثيرة، وأهمها فقدان الحصانة والمترس القوي أمام الوقوع في الخطايا والتقصير وذلك بالرجوع إلى الله تعالى والندم عما بدر منه، فكيف يتوب من لا يعتقد بقدرة الله تعالى على كل شيء ومنها قبول اعتذاره عن ذنوبه، كما أنه يجد المبرر في الاستمرار في غيه ومخالفاته بعد أن فقد معلم الخوف من العقوبة الإلهية.

وقد يقع البعض في فخ الغفلة عن مسبب الأسباب وهو الله تعالى، وذلك من خلال التعلق بالأسباب المادية فيفرح لوجودها ويحزن ويتألم لفقدانها، وبالتأكيد فإن الله تعالى جعل من سنن الكون الجريان وفق مبدأ السبب والمسبب، ولكن الإرادة الإلهية فوق كل شيء إذ كم من أمر قد تحققت علته ولكن المشيئة أفقدته تأثيره وجاء الفرج من حيث لا يحتسب المرء، وهذه قصص الأنبياء فيما جرى لهم من فرج درس نستلهمه، كما جرى لنبي الله موسى حينما حاصره فرعون عند شاطيء البحر، فأغرق الله تعالى فرعون حينما أراد السوء بالنبي ومن معه من بني إسرائيل.

ونواجه اليوم صعوبات ممتدة على جميع جوانب حياتنا الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، ونجد من ضعفت علاقتهم بالقوي العزيز اتجهوا نحو النكوص والتقهقر، بل حالات الاكتئاب والأمراض النفسية التي أصابت من واجهوا صعوبات في حياتهم ما هي إلا نتيجة بعدهم عن الأجواء الإيمانية والروحية الصادقة، فمن عاش جو الأنس والتدبر في كتاب الله تعالى وقراءة الأدعية والوقوف بين يدي محراب الصلاة اكتسب ثبات الجنان وقويت إرادته في مواجهة ما يعاني منه، وسيرة الأنبياء والأولياء العظماء الذين نقتدي بهم تنبيء عن قوة العزم في مواجهة متاعب الحياة، دون أن يقودهم ذلك ولو للحظة نحو الوهن النفسي واليأس، بل ملؤهم الأمل بالله تعالى وتفويض الأمور إليه بعد القيام بما يقتضيه التكليف من عمل حثيث لا يعرف القنوط والهزيمة النفسية.