آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

الحوراء زينب عظمة وقدوة

المواقف الصعبة هي التي تجلي حقيقة شخصية الإنسان وما يمتلكه من قدرات وإمكانيات تساعده على التعامل بواقعية ومواجهة التحديات والمشاكل بكل ثبات واقتدار، فالكلام النظري حول أي صفة من الصفات الحميدة ما لم يكن لم مستند يثبته على أرض الواقع فليس بشيء ولا قيمة له، فالعظماء كلمتهم فعل يؤكد مدعاهم بعيدا عن العنتريات والطرق الاستعراضية البهلوانية التي يستهويها من يشبهون الطبل في قوة الصوت وهو أجوف خال من أي عمل، فمن أراد إثبات وجوده فليكن له حظ من العمل الجاد الذي تحركه الهمم العالية حتى يحقق ما يصبو له من إنجازات.

الحوراء زينب سيرتها كبستان تتعدد فيه الأشجار والزهور لا تعرف بأيها تبدأ فكلها عبق يشدك، فالمتأمل في سيرتها يجد علامات النجابة والاقتدار والكمال الروحي والأخلاقي بأعلى درجاته، فعلى مستوى علاقتها بالله عز وجل كان موقفها ليلة الحادي عشر وهي تمر بأصعب الظروف وأقساها من أجلى صور الانقطاع لله عز وجل والرضا بقضائه، ففي تلك الليلة التي هدت فيها قوى الحوراء زينب الجسدية والوجدانية لفراق إخوتها بتلك الصورة المفجعة، ولكنها ما إن حل عليها الليل بانتصافه إلا وهبت إلى محراب الطاعة وأداء صلاة الليل، وهي بذلك تضرب مثالا رائعا لذلك الإحساس الروحي الذي يأنس بذكر الله تعالى ويورث الطمأنينة والثبات في الشدائد والمحن، كما أن تلك الفاجعة كفيلة بضرب بعض الناس بالقنوط والضعف النفسي، ولكنها لا يمكن أن تؤثر سلبا في جبل الشموخ والصبر بل تبرز من خلاله صلابة وقوة.

والحوراء زينب مدرسة في العطاء المعرفي حيث كانت ملاذا للنساء في بيتها والذي كان يمثل مدرسة للعلوم الشرعية والقرآنية والعقائدية، فتلقي من الدروس ما يرفع المستوى العلمي ودرجة الوعي عند النساء كما كان يفعل ذلك الأئمة الأطهار مع الرجال.

ولم تأخذ مظاهر الدنيا الزائلة وملذاتها من نذروا أعمارهم لله عز وجل، فكانت دار العقيلة الطاهرة مقصدا للفقراء والمحتاجين يلقون فيها طيب التعامل وتضميد الآلام والإنفاق الذي يعينهم على صعوبات الحياة المادية.

وفي واقعة الطف وما تلاها من مسيرة السبي المضنية تجلت عظمة العقيلة الطاهرة وقدراتها الإدارية، والتي من خلالها حافظت على النساء والأطفال طوال الرحلة الطويلة، ومن جهة أخرى سجلت مواقف قوية في وجه الظلم والطغيان وأقامت الحجة على الجميع، وهذه خطبها بما حملته من معايير الفصاحة والبلاغة والأساليب الرائعة في تكوين القناعات وشرح الأحداث، تدل على ما كانت عليه الحوراء من فصل الخطاب الذي تربت عليه وسمعته من الأئمة الأطهار .

والعقيلة الطاهرة ملهمة الأجيال من الفتيات اللاتي يبتغين الكرامة والكمال ورفعة الشأن والعفة، فأنى للفتاة المؤمنة من قدوة حسنة تستهدي بنور مواقفها كما هي عليه السيدة زينب ، والتي سطرت ملاحم الثبات ومواجهة التحديات والصبر على الآلام وتجاوزها، فقد تحملت الحوراء المسئولية وعملت بكل قواها لأداء الواجب عليها ونجحت في تثبيت مدرسة القيم الأخلاقية والتمسك بها، وستتبوأ كل فتاة مكانتها الريادية في نهضة المجتمع ورقيه حينما تتمسك بالقيم والآداب الزينبية، وذلك باكتساب المعارف والكمالات التربوية والأخلاقية والآداب الاجتماعية، فالفتاة الزينبية تستطيع أن تدير أسرتها وتحيطها بالدفء والحنان واضعة نصب عينيها تلك القيم والآداب التي تبني روح الانسجام والمحبة، كما تعينها على تجاوز نقاط الخلاف والمشاكل عن طريق الحوار الهاديء الداعي إلى إيجاد حلول مرضية للجميع ما أمكن ذلك، فالعظمة الزينبية التي يقتدي بها الجميع وليدة مواقف أثبتت فيها وجود الكمالات التي تتمتع بها.