آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 1:31 ص

الاتجاه شرقا

عبد الرزاق الكوي

الناظر للتاريخ والمسيرة الإنسانية وامتدادها للواقع الحالي ومستقبلا يجد مسلمات كثيرة متشابهة ومستجدة تعطي نظرة للعالم ان الأحداث ليست وليدة اليوم بل تحديات تتطور مع الحياة، ولكل واقع ظروفه وبالتالي التعامل معه، سواء الواقع الفردي أو المجتمعي أو الدولي، لكلا حالاته والعمل مع ما يناسبه، فالفرد في هذه الحياة يتخذ خطواته بناء على المستجدات المعيشية، يعمل حسب ما تمليه عليه مصالحه الشخصية بدون الاضرار بالآخرين، بل يشارك الآخرين في نماء وتطور مجتمعه ويستفيد الجميع من هذا التعاون، والاسوء هو ان يشوب العمل الفساد والمحسوبيات والضغوطات والحروب الخفية، فالفرد كحرية فردية له الحق في بناء حياته الاقتصادية حسب ما يتوافق مع رغباته ويخدم تطلعاته، يبحث مستلزماته من اماكن تتناسب مع امكانياته وتقدم له عروض من حيث الجودة والسعر والخدمة بعد الشراء الموثوقية والمصداقية، يثمر عن هذا الارتباط الخير للجميع بعيدا عن الجشع والأطماع والخداع والأنانية.

هذا الواقع ينطبق في التعامل على المستوى العالمي، يمكن بعد طول تعامل تبرز مستجدات على الساحة الدولية تأخد العالم إلى واقع أفضل في التعامل الثنائي بعيدا عن روح التسلط واستغلال النفوذ والضغوطات حتى لا تكون المنفعة من طرف واحد، سواء كان بين قوة فردية أو تكتلات متحدة تتفق على توزيع الغنائم بينها وسلب قوة الضعفاء بلا رحمة أو إنسانية، سواء كانت تحت ضغوطات عسكرية أو سياسية أو تهديد بحصار اقتصادي وليس تحت مظلة دولية أو منظمات ذات صلة، بل يصل إلى الغطرسة بما وصلوا له من قوه تهدد بها العالم، انتهت فيها الحروب القتالية ودخل العالم حربا باردة استمرت قرون، عانت البشرية قبلها واثناءها وبعدها انتهاكات والتفرد بمقاليد العالم تحت سيطرة قوة احادية الرابح فيها مجموعة شركات عالمية واصحاب نفوذ وباقي العالم يرزح تحت وابل من الحروب المفتعلة، الان تتعدى حروب القوى العظمى الأطماع في العالم الثالث وان يبقى يترنح تحت ظل مشاكله المستمرة، ان ما يقلق تلك القوى اليوم بروز ليس نمرا اقتصادي بل مجموعة نمور تتصدر الواجهة الاقتصادية وتبرز كمنافس يعطي العالم خيارات أكثر واقعية وان يتنفس لو بعض الهواء النقي، ويتمتع ولو بالقليل من الكثير الذي نهب منه خلال العمر الطويل من تسلط تلك القوى والشركات العابرة للقارات اصحاب الباع الطويل في نهب العالم، ولهذا اليوم العالم يتجه شرقا من اجل بناء مصالح مشتركة يعم خيرها ليس بلدين بل ينعكس على العالم بأجمعه عند بناء تحالفات اقتصادية على نطاق عالمي تخدم الجميع، كل ذلك ليس مفروشا بالورود فالقوى المهيمنة على مقاليد الاقتصاد العالمي والشركات المتسلطة على رقاب العالم لن تغض النظر بل تعمل بكل شراسة وحيل ومكر وضغط اقتصادي وحصار وعقوبات حتى يبقى الوضع كما كان، يكون العالم بقرة حلوب لمصالح فردية، يعمل بكل ما اوتي من قوة وحتى النفس الأخير في تعطيل أي تقدم يخدم المصالح العامة وان يستفيد الجميع من الخيرات المهدرة على مر القرون، فالتنافس على أشده وقد بدأ يؤتي أكله ويجني العالم بعض ثماره والمستقبل يبشر بخير ان تسود العدالة وان ينعم الجميع بحياة كريمة، كم دمرت مثل تلك الاعمال والصراعات وسحقت اجيال تحت وطأة تلك الاطماع، دمرت دول وابيدت شعوب وتراجعت اقتصادات عالمية كل ذلك في خدمة تلك الاطماع، فالعالم لم يعش ربيعا على مر القرون الماضية بل صراعات مفتعلة من اجل ان يستمر الانتهاك والسكوت عنه، الاتجاه شرقا ليس بغضا بأحد، فلا احد ينكر الاستفادة من التطور العلمي والتكنولوجي والطبي وغيرها من المجالات الذي استفادت منها البشرية في الاتجاه الاخر، بل رفضا لاستمرار المعاناة مع وجود حلول استراتيجة أكثر نفعا وواقعية، فالمصداقية انعدمت والموثوقية فقدت، والمارد الشرقي انطلق ولن يتوقف الا بتحقق تطلعاته المشروعة، يعمل بصمت ولكن بقوة شهد له بها مخالفيه قبل اصدقاءه، الاقتصاد اليوم ينبأ بولادة تحالفات توفر مزيد من الامن والسلامة للعالم، ان يتقدم بخطوات قليله بخيرات كثيرة، يؤثر ويرسم مستقبل للعلاقات الدولية أكثر انسانية، ويستمد قوته من واقعه حيث يمتلك قوة شرائية يدعمها عدد كبير من السكان يحتاج ويتطلع إلى مستقبل افضل، يملك الامكانيات البشرية وثروات طبيعية ومكانة استراتيجية لو استغلت بطرق مشروعة لعاش العالم رغد العيش، واصبح الواقع الاقتصادي يستفيد منه كل الاطراف بطرق عادلة، وانتشرت المصانع بدلا من معسكرات المهجرين والمشردين من افعال الايدي الخفية التي ارعبت وافقرت ودمرت العالم، فالخيار اليوم الاتجاه شرقيا.