آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:56 م

سارق التِّين يعود!

المهندس هلال حسن الوحيد *

هذه شكوايَ إليكم من عصفور، استمعوا لي وله واحكموا بالعدل: عندي خمس شجيرات تين، إن أعطت ثمرًا فهو لذيذ وقليل. تهترئ أوراقها وتجف أغصانها في القيظ وما أن يطل فصلُ الخريف حتى تعود خضراء تسر الناظرين، وتحمل الثِّمار، ينضج منها واحدةٌ أو اثنتان كلَّ يوم!

أما ذلك العصفور، فأنا أطعمه أفضلَ أنواع الخبز والحبوب - تقريبًا كلَّ يوم - وهو لا شيء إلا الطيران واللعب، والغناء بصوتهِ العذب. وما أن يرى ثمرةَ التِّين تنضج إلا وهو لها بالمرصاد. أراها قريبةً من النضج في المساء وعندما أحلم بقطفها في الصبَّاحِ الباكر، أجده أكلَ بعضها أو كلها!

هذه هي المرَّة الثَّالثة التي أكتب عن سرقته، ظانًّا أن الكتابة تردع وتمنع السَّرقة، لكن اللصّ لا يقرأ الشكاوى ولا تردعه الأمنيات. أنا والعصفور متخاصمان، تجاوزَ أَحدنا على الآخر، وهو العصفور الذي تجاوز، مع أنه مدرك أن الظلم والطغيان يبعدان كثيرًا عن الفضيلة.

سوف أنحني أمام حكمكم، ولو كان الطرف الثَّاني يخالف دعواي عليه، فلماذا يكتفي بالسكوت؟ أليس سكوته خير دليلٍ على أن الدعوى كما طرحتها أنا؟ أقيم دعواي هذه طالبًا منه أن يكتفي بالدفء في شمس حديقتي والتغريد وأكل ما أعطيه من خبزٍ وحبوب. ومن أجل حياته عليه أن لا يخالفَ التفاهم القائم بيننا، ثمر التين من حقي، وإلا عاقبته.

حُجَّة العصفور - الغائب - أنَّ الأرضَ والشجر كان له قبل أن يكون لي، وأنا سكنتُ مساكنه وضيقت عليه وما فاضَ من الثِّمار هو حلالٌ له، ولديه البينة، فأين خطيئته؟ يا لها من حُجَّة!

غاية المرام: أحببت أن ألفت أنظاركم إلى ينابيعِ الرَّحمة التي وضعها الله في كلِّ شيء. وحتى هذه العصافير التي تنافس البشر على أرزاقها ومحاصيلها من الزراعة بعد أن قلت البساتين والأشجار التي تسكن إليها وتتغذَى على ثمارها، أكلها فيه صدقة وأجر: عنه «صلى اللهُ عليهِ وآله»: ما من مسلمٍ يزرع زرعًا أو يغرس غرسًا فيأكل منه طيرٌ أو إنسان أو بهيمة إلا كانت له به صدقة.

وهل ينجي اللهُ النَّاس يومَ القيامة إلا برحمةِ بعضهم بعضا، ورحمة من أهو أضعف منهم: عن رسول الله «صلى اللهُ عليهِ وآله»: الرَّاحمون يرحمهم الرحمن تباركَ وتعالى، ارحموا من في الأرضِ يرحمكم من في السَّماء. وقوله: من رحمَ ولو ذبيحة عصفور رحمه اللهُ يوم القيامة.

مستشار أعلى هندسة بترول