آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 5:36 م

كنت أوثر أن أجدَ أبي معي اليوم!

المهندس هلال حسن الوحيد *

في عام 1856م اشترى الكاتبُ الروائيّ المشهور تشارلز ديكنز مسكنًا فخمًا طالما أعجب به منذ أن رآهُ صغيرًا بصحبة والده. ويحكى عنه أنه تمنَّى أن لو كانَ أبوه معه في تلك السَّاعة فيقول له صديقه: لقد تحقق حلمك، فلماذا تتأسف؟ فيرد ديكنز: كنت أوثر أن أجدَ أبي معي اليوم ليكونَ صاحبَ القصرِ الأوَّل، ثم يتساءل: هل يعلم ذلك في ملإِه الأعلى؟ لو علمَ لاسترحتُ كثيرًا.. كثيرا.

قال هذا الكاتب ما يقوله الكثير من الأبناءِ الذين عاشَ آباؤهم في الفقرِ والبؤس وعانوا ما عانوا من أجلِ أن ينعمَ الأبناءُ بالرَّفاهية والحياة التي لم يحصل عليها الآباء. أنا رأيتُ بعيني كثيرًا من أولئك الآباء الذين عاشوا فقراءَ معدمين، عملوا دون راحة، ولما بنى الأبناءُ الدور والقصور لم يراها الآباء ولم يرتاحوا فيها.

ليس فينا من ينكر أن الأمّ رمز الحياة الأول، لكن الآباء هم من ينحتون شخصيَّة الأبناءِ ويؤثرون فيها - كما الأمّ  أو أعظم في كثيرٍ من الحالات. في كلِّ أطراف العالم، آباء يعملون عند الظَّهيرة تحت حرِّ الشَّمس، وفي بردِ الشِّتاء، يطمع كل منهم أن يسكنَ مع ابنه ذلك القصر الفخم، وإن لم يسكن هو فلا بأس أن يسكنَ الابن، محبَّة بعينٍ عمياء ترى الأبناءَ ولا ترى صاحبها! هؤلاء العمَّال والغرباء الذين نراهم كلَّ يوم بيننا، يعملون في مختلفِ الأعمال - وبعضها شاقّ - لم يكونوا مضطرّين للهجرة لولا رغبتهم أن ينعمَ أبناؤهم وبناتهم بمستقبلٍ أفضل!

جاء رجلٌ إلى النبيّ صلى اللهُ عليهِ وآله فقال: يا رسولَ الله من أبر؟ قال: أمَّك قال: ثمَّ من؟ قال: أمَّك، قال: ثمَّ من؟ قال: أمَّك، قال: ثمَّ من؟ قال: أباك". هل في تكرارِ الأمّ استنارة تنبه إلى توكيد بر الأمّ، دون أن يكون بر الأب أخفضَ وأقل؟ في كلِّ الأحوال يستحق الأب كثيرًا من التَّكريم والتَّقدير. وكيف يغرب عن أذهانكم أن الأب هو الذي يبيع عمره ويستهلك صحَّته مستقبلًا الشَّمس والرِّياح من أجلِ أن تفوقَ منجزاتُ الأبناءِ منجزاته، وأن يلبسوا ويأكلوا ويسكنوا أفضلَ مما سكن هو؟!

لُباب المقال وخالصه: رحمَ الله أبي وآباءكم، هم زرعوا فأكلنا وبنوا فسكنَّا، ونحن أيضًا زرعنا وبنينا، على أمل أن يفعل الأبناءُ ما فعل الآباءُ والأجداد وأكثر! آباءٌ غابوا وأرواحهم تزورنا من أعالي الجنان، تطلع على أحوالنا، يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا. إذًا، فلنكن بخير، ليكونوا بخير.

مستشار أعلى هندسة بترول