آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

هل تحبون النَّاصحين؟

المهندس هلال حسن الوحيد *

بالأمسِ القريب، إذا نصحَ أحدنا من هو أصغر منه سنًّا أبدى له الشكر، قبل النَّصيحةَ أم لم يقبلها: ”مشكور وما قصَّرت“، عبارة جميلة وعذبة تنساب بهدوءٍ من أفواهِ الشبَّان - والشابَّات - تجاه الكبير الذي يعرفونه أو لا يعرفونه إن هو نصحهم. كان الكبير ”يمون“ على الصَّغير، إما احترامًا وتقديرًا، أو خوفًا من عقابِ الوالدين، وعلى هذا كانَ المجتمعُ يربِّي بعضُه بعضًا. بالطبع، لم يكونوا ملائكة، وكان فيهم المتردية والنَّطيحة وما أكلَ السبع!

أمَّا اليوم: حاذر وانتبه لنفسك، لا تنصح أحدًا! تطورت حالةُ رفض الرَّأي الآخر والردّ القاسي هو: لا أريد نصيحةً من أحد، من ينصحني يتحمل ردة فعلي، هذا شأني ولا أحدَ يناقشني أو يقنعني بغير ذلك! وكم هو محزن ما يحكيه الكبار حين يندفع - بعض الشبَّان أو الشابَّات - في القسوة والتَّعنيف مكافأةً لنصيحة من هم أكبر منهم سنًّا، تعنيف دون شعور بالذنب.

النَّاصح الأمين لا يعنَّف ولا يستهجن ولا يُساء إليه. وإن كان أكبر سنًّا فله حق النَّاصح وحق فارق العمر، وحق التَّجربة في الحياة. كبار السنّ إذا نصحوا فذلك لأنهم وقعوا في مطبَّات، وهم يرغبون أن يحموا غيرهم من إزعاجِ تلكَ المطبَّات.

النَّصيحة رسالة وسوف تجدون الكثير ممن لا يحبون النَّاصحين. لهذا، توخَّوا معرفةَ من تنصحون وكيف ومتى. تأكدوا أن العقول الجميلة تقبل النَّصيحة، أما العقول التي تعطي أذنًا من طين وأخرى من عجين، كونوا معها من الذين قالوا: سلاما. وكما يقول الإمام عليّ بن أبي طالب عليهِ السَّلام: لا رأيَ لمن لا يُطاع.

اليوم، تزداد الأسوارُ ارتفاعًا وتعاليًا عن النَّصيحة والخبرة، ونحن - كبار السنّ - نكون أحيانًا كثيرة من يبني ويرفع هذه الأسوار حين لا نعرف كيف نصوغ الكلمات والأفعال، ونقدمها لمن يستفيد منها، ولذلك تصير جهودنا ونصائحنَا إلى لا شيء أو ترتد سالبةً علينا. ”نهرف بما لا نعرف“ إذ للشباب رأي أيضًا، وعلينا أن نعترف بأنهم عنصر الحداثة والتغيير القادم. أما كبار السنّ فقد عفا عليهم الزمانُ وتجاوزهم - في بعضِ الأفكار - فعليهم التَّسليم وتجاوز الماضي دون زعلٍ واستياء وعدم حمل أثقال غيرهم!

مستشار أعلى هندسة بترول