آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

حقوق الإنسان تحت المجهر

علي جعفر الشريمي * صحيفة الوطن

مرت قبل أيام، وتحديدا نهاية الأسبوع الماضي، مناسبتان: الأولى كانت الخميس، وهو اليوم العالمي لمكافحة الفساد، الذي يصادف 9 ديسمبر من كل عام، والثانية الجمعة، وهي الذكرى الثالثة والسبعون لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث صدر في العاشر من ديسمبر 1948، متزامنا في تلك السنة مع مناسبات أخرى، منها صدور اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، ونكبة فلسطين، وهو تاريخ تهجير وتشريد مئات الآلاف من الفلسطينيين عن أرضهم لخارج فلسطين وداخلها، وإنشاء كيان الاحتلال الإسرائيلي. يطيب لنا أن نتذكر في اليوم العالمي لحقوق الإنسان الكثير من الخطوات الإيجابية التي خطتها البشرية تجاه تعزيز كرامة الإنسان، والتأكيد على إنسانيته. لقد تغيرت النظرة الإنسانية لمفهوم الحقوق والواجبات، بل إعلاء مفهوم الحقوق حتى على مفهوم الواجبات، أي أنه وضع في درجة أعلى بكثير من الأنظمة والدساتير في بعض الدول المتقدمة. لقد تغيرت نظرة العالم لحقوق الإنسان، فأصبحت تحت المجهر مع الإعلان العالمي، أي قبل 73 عاما، مما يعني أن المفهوم جديد، ومصطلحات مثل الإعلانات والعهود والمواثيق والتحفظات هي حديثة في الأدبيات الحقوقية، فمثلا في 1966 صدرت اتفاقيتان ولدتا من رحم الإعلان العالمي بعد 18 عاما، وهما العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. هذه الاتفاقات تعتبر من أحدث العهود والمواثيق المُلزمة للدول الأطراف، أي تكون مساءلة عنها من قِبل المجتمع الدولي، وتحديدا من لجنة حقوق الإنسان، بعكس الإعلان العالمي الذي يعد إعلانا أدبيا غير مُلزم، ولكنه في الأدبيات الحقوقية وفي العرف الدولي أقوى سلطة ومرجعية حتى من الاتفاقيات المُلزمة.

ومنذ ذلك الحين، أي مع بداية الإعلان العالمي، بدأت فكرة حقوق الإنسان تنتقل من القيم المحلية المؤطرة بالحدود الجغرافية، لتطرح نفسها كثقافة تصوغ الفكر الإنساني، كونها معنية أولا وأخيرا باحترام كرامة الإنسان، فكل الدول المتقدمة من قبيل أمريكا وأوروبا، اللتين شهدتا تطورا في الدساتير الحقوقية، كانت مع لحظة ولادة الإعلان مقاومة له، واتخذت موقفا سلبيا منه. في المقابل، اليوم أمريكا تضع تقارير حقوق الإنسان، التي تقيم فيها الدول، مثل وزارة الخارجية الأمريكية التي تصدر تقريرها السنوي الدوري عن كل دول العالم، ومدى التزامها بحقوق الإنسان. وحتى الدول غير الراغبة في حقوق الإنسان، من بين أكثر من 194 دولة في العالم، صارت مضطرة اليوم إلى الالتزام بها، وهذا يعد تطورا لافتا في المنظومة الحقوقية العالمية. يضاف إلى ذلك ظهور المؤسسات الجديدة مثل تحول لجنة حقوق الإنسان من لجنة تابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة إلى مجلس مستقل، تم إقراره في 2006 باسم «مجلس حقوق الإنسان»، ليكون هيئة تابعة للجمعية العامة، تتم فيها المراجعة الدورية الشاملة لجميع دول العالم. ومن ضمن المؤسسات كذلك المحكمة الجنائية الدولية. بالطبع ليست كل هذه المنظمات مثالية، حيث دخل الفساد في بعضها، ولكن بالصورة العامة والكبيرة، يعد كل ذلك تطورا رائعا يسير في تجاه إنسانية الإنسان.