آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 4:24 م

التحفيز الذاتي

المهندس أمير الصالح *

عندما يُشاهد البعض من الناس عدد المتابعين لمُغرد ذو محتوى فقير أو ”سنابر“ ذو محتوى هش ويقارنهم بعدد متابعي كُتاب مرموقين، يُصاب بنوع من الإحباط وقد يعزف ذاك البعض عن محاكاة الكتاب والأدباء والمفكرين المرموقين لقلة القراء والمتابعين لهم.

ينكمش البعض ممن يعتقد بأنه كلما أحسن صُنعا أو بادر في خلق عمل جميل، أو كتب مقال اجتماعي مُعالج لظاهرة سينال تصفيق حارا ويُسلم باقة ورد وإطراء بالمجالس واحتضان في الديوانيات، فإنه سينتظر طويلا، وقد لا يصفق له أحد ولا يناله مديح ولا يستلم وردا حتى بعد طول الانتظار. ومن وجد في نفسه الاستمرار في العطاء دون انتظار ثناء أو مديح أو تصفيق أو إطراء فهذا السلوك ينم عن وجود روح متوقدة وقوية ذاتيا تمتطي صهوة الإنتاج في كل ثنايا يومياتها. وإن تراجع ذلك الشخص عن مضيه للأمام فيما هو يصنعه من محتوى مرموق، فهذا التصرف ينم عن تراجع وأفول نجمه لعدم تلقيه الحفاوة أو تزعزع مستوى العطاء لديه أو عدم استقلالية التفكير عنده أو لاختفاء المحفز الذاتي من داخله أو لنجاح المحبطين له في تصفيته إعلاميا أو لسيطرة مواضيع محددة على الناس أو لسيطرة البعض على أدوات النشر العالمية.

جميعنا نعلم علم اليقين بأنه ليس هناك شخص فاضي ليل نهار يتابع إنتاج من أقوال وأفعال ويصفق ويضع ”لايكات“ على كل شي يقوله أو يكتبه أو يُغرد به فلان أو علان من الناس، إلا إذا كان ذلك المُصفق مدفوع له مال لأداء تلك المهمة أو مُطبل يطمع في الحصول على مقابل من أي نوع أو إنه مُريد ومُعجب لذلك القائل لحد غير معلوم سقفه. نعم نؤمن بان التشجيع والمؤازرة من قبل الأسرة والأصدقاء والمجتمع وأبناء الوطن ترفع المعنويات وتشد من عضد الكاتب أو المفكر أو الأديب أو المخترع.

في كل مجتمع وبين فترة وأخرى تطفح على السطح هبّة لهواية معينة أو صنعة أو حرفة أو نشاط تجاري أو نشاط سياحي ما وينجرف نحوها عدد كبير من أبناء المجتمع تحت شعار ”حشر مع الناس عيد“. بعد فترة تشاهد انحسار واضمحلال أعداد المنخرطين في تلك الهواية أو النشاط. وفي الأغلب العام لا يصمد من الأشخاص إلا من أحب وعشق تلك الهواية بدوافع عديدة على رأسها وجود الحافز الذاتي بداخل ذلك الفرد.

وهناك نوع آخر من التحفيز يطلق عليه التحفيز الخارجي أي غير النابع من الذات. فمثلا في السبعينيات من القرن الماضي كانت هواية جمع الطوابع والعُملات هي الهواية الشبابية الأكثر رواجا بسبب تشجيع البعض للبعض الآخر عليها. والآن بالكاد ترى أو تسمع عن شخص يتبنى هذه الهواية! وبالأمس القريب، معظم الشباب كان يشرئب عنقه للالتحاق بدورة تصوير فوتوغرافي، واليوم لا تسمع لهذه الهواية أي ذكر في المجالس العامة إلا بالنزر القليل وفي أماكن مخصصة للمهتمين بتلكم الهواية. وهناك أمثلة عديدة إلا أنني أكتفي بما ذكرت.

في وقتنا الحاضر، أهل الفكر والكُتاب الجادين والأدباء والعلماء بالمجمل والكتاب الاستقصائيين لا يلاقون التشجيع التحفيزي ممن هم حولهم فضلا عن البعيدين عنهم. إلا أن التحفيز الذاتي لدى أولئك النخب ما زال في مستوى عال ويدفعهم للاستمرار في الكتابة والاستقصاء والبحث والتأليف والتحقيق. وإن قل المردود المالي أو انعدم، وإن قل الجمهور من حولهم وأن تصحرت ساحاتهم من المعجبين بهم. لإيمانهم ويقينهم بأن يوما ما سيأتي قوم يُنصفون أعمالهم ويقدرون صنيعهم. وكذا الأب الباذل والأم الحنون والأخ الودود والأخت المساندة يشعرون بذات التحفيز الداخلي دونما انتظار منهم لكلمات الشكر.

وجود شعبية كبيرة لمن هم ضحلي المعلومة والنفع العام في نشرات وصفحات تطبيقات ”السوشل ميديا“ قد تنال من عزيمة وهمة البعض. كما أن وجود تحيز صارخ عند النشر في بعض صحف العالم بناء على اللون أو نوع الجنس قد تُحبط البعض. أصحاب الشغف المعرفي والعلمي والفني والرياضي والاقتصادي سينالون يوما ما مردود يتناسب مع حجم استثمارهم الزمني والجهد الذي بذلوه حتى لو تم استحصاله في مدينة أو منطقة أو مكان آخر مع أُناس يقدرون ذلك ولو كانوا بفيء وطن آخر ولو بعد حين من الزمان.

همسات:

أرفع القبعة لكل كاتب ساهم ويساهم في رفد الروح العلمية والأدبية والثقافية ورفع الروح المعنوية لأبناء المجتمع ونشر روح الألفة والمحبة.

أصافح يد بيد كل من ساهم ويساهم في طرح حلول للمعضلات الحياتية اليومية التي يواجهها الناس.

أتطلع إلى اليوم الذي يحظى فيه أهل الإنتاج والفكر والأدب المكانة التي تليق بهم.

أشجع كل الفاعلين وأصحاب القلم النير أن يستخدمون أدوات التواصل الاجتماعي أو يزيدون كفاءاتهم في استخدامها لبث الأخلاق الحسنة والأفكار القويمة والسلوكيات الراقية وعدم الاكتفاء فقط بكتابة المقالات أو المشاركة في الندوات.