آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

المنتظرون همم عالية

السيد فاضل علوي آل درويش

ورد عن الإمام الصادق : مَنْ سُرَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْقَائِمِ فَلْيَنْتَظِرْ، وَ لْيَعْمَلْ بِالْوَرَعِ وَ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ وَ هُوَ مُنْتَظِرٌ..» «بحار الأنوار ج 52 ص 140».

ما بين النهضة المهدوية الإصلاحية التي تحقق أهداف الأنبياء والأولياء من بسط رسالة التوحيد والعدالة الاجتماعية وسيادة القيم الأخلاقية، وبين عهد الغيبة خيط رفيع يسمى الانتظار وعقد الأمل بتحقق التغيير الإيجابي، ونحتاج إلى توضيح لمفهوم الانتظار في زمن الغيبة لكي تنجلي الحقيقة التي لا شائبة فيها، وذلك أن البعض قد يتوهم بأن عهد الغيبة يعني التوقف عن كل سبل الإصلاح والتغيير وإيكال هذا الأمر إلى ما بعد الظهور، وهذا وهم وتجن على الحقيقة وذلك أن الخطاب الديني الموجه للمؤمنين في كل زمان ومكان هو الخلافة الإلهية والعمل على تحقيق البيئة الإيمانية الخالية من المفاسد الأخلاقية والرذائل، كما نرى ذلك جليا في مهمة ورسالة الأنبياء والذين واجهوا كافة أشكال الانحراف العقائدي والسلوكي في مجتمعاتهم، فلا يعقل أن تكون رسالة الممهد اجتماعيا السكوت عن الحق وترك التواصي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل الإصلاحي الممكن بحسب ظرفه واستطاعته، فتكليفه الإصلاح الذاتي والمجتمعي لينخرط في عهد الظهور في الحركة الإصلاحية الكبرى التي تعمل على إزالة رايات الشرك ومظاهر الفساد والانحلال الأخلاقي وكافة أشكال الظلم والعدوان وانتهاك حقوق الآخرين، فتعود في زمن الظهور للمرء كرامته وعزته المتمثلة بعقيدة التوحيد والاتزان السلوكي والنزاهة من النقائص والرذائل.

فأصحاب الإمام المهدي لا يدانيهم أحد في طهارة نفوسهم وشدة تعلقهم بالله عز وجل والانقطاع إليه، وينضم إليهم المناصرون للحركة الإصلاحية ممن هذب نفسه وتخلص من حب الدنيا، فهم أصحاب قلوب كزبر الحديد ووعي ونضج وفهم للواقع والأحداث المحيطة بهم، كما يحملون همما عالية لا تلين في ساحة التغيير ونصرة الحق ومواجهة الطغيان والاستبداد، ومن يريد أن يلتحق بهم فلابد أن يحمل استعدادا وتهيؤا نفسيا وروحيا للحياة في عالم الفضيلة والانتصار على الشهوات والأهواء، وهذه التزكية للنفس هي الانتظار الحقيقي المطلوب والذي أشارت له الرواية الشريفة، انتظار إيجابي يتحرك من خلاله المؤمن لصيانة نفسه من الوقوع في براثن الخطايا وشباك الشبهات المضلة، فالمنتظر لراية الحق والهدى المهدوي شخصية إيمانية يقتدي بالأئمة الأطهار والصالحين في صفاته وسلوكياته وتعامله، وفي محيطه الاجتماعي يحمل الدعوة نحو الالتزام الديني من خلال أفعاله قبل كلماته، يحمل همة وطاقة في أوجه الخير وصنع المعروف وخدمة الناس وقضاء حوائجهم، والعمل على إصلاح ما اعوج من أحوالهم بالحكمة والموعظة الحسنة بعيدا عن لغة العنف اللفظي أو اليأس من تغيير سوء حالهم.

غيبة الإمام المهدي تعد مرحلة اختبار وابتلاء للمؤمنين للتمييز بين المتهيء الحقيقي بالصبر والعمل الحثيث ممن يرقد على فراش الأحلام الخاوية، حيث أن المنساق خلف شهواته في هذا الزمن الصعب لن يتغير حاله فجأة فتبدو عليه سمات الإيمان والشجاعة والوعي الفكري، بل هناك تكليف ليس بالسهل تحمله ويحتاج تحقيقه إلى إرادة قوية وتحمل للمسئولية في ميدان العمل الفردي والمجتمعي، فالمؤمن يضع نصب عينيه في زمن الغيبة رضا مولاه عز وجل المتمثل بتحقيق أهداف إمام زمانه الإصلاحية فلا يكون في خط مضاد ومناويء له، فالانتظار في مفهومه الصحيح كما عبر الإمام الصادق عمل لا كسل وتبرير وتراجع عن أداء التكاليف المجتمعية، فكل خطوة في طريق تصحيح المفاهيم الخاطئة عند الشباب والفتيات أو دعوتهم إلى مراجعة سلوكياتهم للتخلي عن الظواهر السلبية التي لا ترضي المولى عز وجل ولا تعجل في فرج صاحب الزمان بل تدمي قلبه وتدخل الحزن عليه، وما يدخل السرور عليه في زمن الغيبة أن يرى من المؤمن لبنة من البناء الأشمل لزمن الظهور، فالعلاقة بالإمام المنتظر مضمونها العمل في كل وقت على تحقيق العدالة والإصلاح ولو على المستوى الفردي، فنهذب أنفسنا وننقيها من شوائب الذنوب والآثام والاعتداء على حقوق الآخرين، ويتطور العمل الإصلاحي ليشمل المحيط الأسري من خلال دعوتهم للصلاح والالتزام بالأوامر الإلهية، فكم يؤلم قلب الإمام ويعتصره هما وحزنا أن يرى من الضعف والتكاسل عن كلمة المعروف وتبرير عجزنا حتى على المستوى الأسري بعدم القدرة على التوجيه، هذه التبريرات الواهية لن تلقي عن كواهلنا مسئولياتنا الأسرية في تربية أولادنا على الالتزام العبادي والأخلاقي.