آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

يا راقدَ الليلِ الطَّويل!

المهندس هلال حسن الوحيد *

في مثلِ هذه الليالي، يطولُ الليل عندنا حتى يبلغ أقصى مداه. ليلُ الشِّتاءِ الطويل، يكفي للنوم والجلوس مع الأصدقاء ويكفي للعب واللهو. لكن من الغريبِ أن رجالًا وجدوا الليلَ أقصرَ مما يودون! أَنتم تستغربون؟ إذًا، أقصّ عليكم حالَ - شابّ - وجدَ الليلَ قصيرًا جدًّا في الحكايةِ الجميلة التالية. وما عليكم إلا أن تكملوا الحكايةَ لتعرفوا اسمَ هذا الشابّ:

عن حماد بن حبيب العطَّار الكوفي، قالَ:

خرجنا حجاجًا، فرحلنا من زبالة ليلًا، فاستقبلتنَا ريحٌ سوداء مظلمة، فتقطعت القافلة، فتهتُ في تلكَ الصَّحاري والبراري، فانتهيتُ إلى وادٍ قفر، فلما أن جنَّ الليل، أويتُ إلى شجرةٍ عادية، فلما أن اختلطَ الظَّلام، إذا أنا بشابٍّ قد أقبل، عليه أطمارٌ بِيض، تفوح منه رائحةُ المسك، فقلتُ في نفسي: هذا وليٌّ من أولياءِ الله، متى ما أحسَّ بحركتي خشيتُ نفاره، وأن أمنعه عن كثيرٍ مما يريد فعاله، فأخفيتُ نفسي ما استطعت، فدنا إلى الموضع فتهيأ للصَّلاة، ثم وثبَ قائمًا، وهو يقول:

يا من حازَ كلَّ شيءٍ ملكوتَا، وقهرَ كلَّ شيءٍ جبروتَا، أولج قلبي فرحَ الاقبالِ عليك، وألحقني بميدانِ المطيعينَ لك. قالَ:

ثمَّ دخلَ في الصَّلاة، فلما أن رأيته قد هدأت أعضاؤه وسكنت حركاته، قمتُ إلى الموضعِ الذي تهيأ فيه للصَّلاة، فإذا بعينِ ماءٍ تفيض بماءٍ أبيض، فتهيأتُ للصَّلاة، ثم قمتُ خلفه، فإذا أنا بمحرابٍ كأنه مَثُلَ في ذلك الوقت، فرأيته كلما مرَّ بآيةٍ فيها ذكر الوعدِ والوعيد، يرددها بأشجانِ الحنين، فلما أن تقشَّع الظلام، وثب قائمًا وهو يقول:

يا من قصده الطالبون فأصابوه مرشدا، وأمَّه الخائفون فوجدوه متفضلا، ولجأ إليه العابدون فوجدوه نوالا. متى راحة من نصبَ لغيرك بدنه!؟ ومتى فرحَ من قصد سواك بنيَّته!؟ إلهي قد تقشَّع الظلام، ولم أقضِ من خدمتكَ وطرا، ولا من حياضِ مناجاتك صدرا، صلِّ على محمَّد وآله، وافعل بي أولى الأمرين بك يا أرحمَ الراحمين. فخفتُ أن يفوتني شخصه، وأن يَخفى عليَّ أثره، فتعلقتُ به، فقلتُ له:

بالذي أسقطَ عنكَ ملالَ التعب، ومنحكَ شدَّة شوقِ لذيذِ الرغب، إلا ألحقتني منكَ جناحَ رحمة، وكنفَ رقَّة، فإني ضالٌّ، وبغيتي كلما صنعت، ومنايَ كلما نطقت. فقال:

لو صدقَ توكلك ما كنت ضالًّا، ولكن اتبعني واقف أثري. فلما أن صارَ بجنبِ الشَّجرة، أخذ بيدي، فخيل إلي أن الأرضَ تمدّ من تحت قدمي. فلمَّا انفجرَ عمودُ الصبح، قالَ لي: أبشر فهذه مكَّة. قالَ:

فسمعتُ الضجَّة، ورأيتُ المحجَّة، فقلتُ: بالذي ترجوه يومَ الآزفة ويومَ الفاقة، من أنت؟ فقال لي: أما إذا أقسمتَ، فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السَّلام.

غاية المرام: ”السهر روضة المشتاقين“ في طاعةِ الله وعبادته الذين قال عنهم: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ، أمَّا في غير ذلك فالنوم المعتدل أكثر راحةً وأقل دمارًا للجسم، هذا ما تقوله الدِّراسات العلميَّة الموثوقة!

مستشار أعلى هندسة بترول