آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

إذا ما ذُمَّ الحمار فلا يشمت الحصان!

المهندس هلال حسن الوحيد *

اشتهر الحمارُ - أكرمكم الله - بالغباء، فإذا ما استغبينَا شخصًا قلنا: بليدٌ مثل الحمار أو عنيدٌ مثل الحمار، أو استقبحنا وجهًا شبَّهناه بوجه الحمار. ومن الإنصاف أن نقول - أيضًا - أن هذا الحيوان مفيد جدًّا، إذ في قديمِ الزمان كان يركبه العامَّة والنبلاء على حدٍّ سواء. وهو الذي لا يُضارع في الصَّبر والأناة والقوَّة، يعمل في الحقول - مثقلًا يجر العربات - من شروقِ الشَّمس وحتى الغروب، أجرته قليل من الماءِ والحشائش. يصبر على ضربِ العصا، التي تحط عليه بقسوة من الراكب فوقه على رأسه وعلى مؤخرته وعلى فخذيه، وأيَّما مكانٍ طالته تلك العصا، ومع كل ذلك الأذى يبقى هادئَ الطبع، بل يجري أسرع كلما ضُرب!

ذلك الحيوان كان الخادم المطيع في البرّ والبحر في مختلف قرى ومدن القطيف، وفي كثيرٍ من الأماكن، وكثير من العوائل كانت تعيش بسبب جهد ذلك الحيوان وعمله، قبل أن تأتي المدنيَّة عليه، ولم يعد له وجود إلا نادرًا!

في سورةِ الجمعة قال عنه القرآن الكريم: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. لا يشعر هذا الحيوان إلا بثقل ما فوق ظهره، ولا يفرق بين أن يكون المحمول على ظهره خشبًا أو ذهبًا. أما في سورة لقمان فقال عنه: ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ. لا يزال نهيق ذلك الحيوان أقبح صوتٍ يسمعه الإنسان، ومن الغباء أنه ينهق بسببٍ وبدون سبب وحاجة.

لكن مع كل ما ناله هذا الحيوان - الحمار - من الذمّ والتقريع، لا يجب أن يفرحَ الحصان، فهو لو حملَ الأسفارَ والكتب، لن يستفيد منها، مثله مثل الحمار، لا يقرأ ولا يكتب ولا يعرف ما فوق العربة من متاع! أما المنافع والصبر والأناة والكدّ، فلا يمكن للحصان أن يجاري ذلك الحيوان.

غاية الكلام، لا يظن الإنسان أن كلَّ ممدوحٍ هو تام الجمال، وكل مذمومٍ خالٍ من المنفعةِ والفائدة، حتى الأفاعي السامَّة فيها جوانب خير. ﴿وَآلْخَيْلَ وَآلْبِغَالَ وَآلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ، إذًا، ألم يجعل الله الركوبَ مشتركًا بين الخيلِ والبغال والحمير؟!

مستشار أعلى هندسة بترول