آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 4:10 م

لقاء في مجمر الأبجدية

ياسر آل غريب *

لقاء في مجمر الأبجدية

إلى الصديق الشاعر سعيد الشبيب «أبي حمدي» - رحمه الله - مع رحيل الشعراء تزداد رقعة الصمت..

لم أعدْ أتذكرُ أين التقينا بأول إيماضةٍ ومتى.. كم أحاولُ ترويضَ ذاكرتي لاصطيادِ البداياتِ، تمتزجُ اللحظاتُ، فلم أستطعْ أنْ أميّزَ باكورةَ الذكريات.

غيرَ أنّي عرفتُكَ في الزمكانِ المُشَاطئ للأبديّةِ حين القصيدة ضمّتْ رؤانا معا باتساعِ المودةِ من مطلعِ الحرفِ حتى الهزيعِ الأخيرِ من القافيات.

إنّ صوتا بأعماقِ روحي ينادي: «سعيدُ الشبيبُ..» إلى أين تمضي؟ ألستَ على موعد للكتابة ثانية؟ كيفَ تتركنا والقصيدةُ تنتظرُ الموجةَ البكْرَ في الزرقةِ المشتهاة؟

أيها المتماهي مع الحبِّ، قل لي: بأيِّ انشراحٍ محوتَ الفروقاتِ بين الأنا والأنام؟ فما في المرايا سوى ناظريك، وما في الحقيقةِ إلا حكايةُ ذاتٍ ترتِّبُ أجزاءَها في الذوات.

من أزقّةِ «أمِّ الحَمَامِ» تعلّمْتَ كيفَ الخروجُ إلى الأفْقِ متّحِدًا بهديلِ الولاءِ، تربيتَ في قريةٍ تستمدُّ من النخلِ أسرارها في مرايا السماءِ، ولم تبنِ ذاتَكَ إلا بقدسيّةِ العاطفات.

بينما الوقتُ ينسجُ أكفانَهُ من دقائقَ غامضةٍ، أطفأتْ مقلتاكَ الشموعَ الأخيرةَ، أنفاسُكَ ارتفعتْ مثلَ قنّينةِ العطرِ حينَ تموّجُ أشذاءَها ماوراءَ الجهات.

لم أعدْ أتذكرُ كيف التقينا.. ولكننا الآنَ في مجمرِ الأبجديةِ، تحترقُ الكلماتُ بنا، ثم يبعثُنا الشعرُ غيمًا جديدًا، نطوفُ بأهدابنا؛ لاكتشافِ الحياة.

لاكتشافِ الحياةِ وأسرارِها
قاسمتْكَ الفراشاتُ في نارِها

واتحدتَ مع الشعر في غايةٍ
كاتحادِ الشفاهِ ومزمارِها

يا امتدادَ القصيدةِ في نزفِها
مُذْ تربيتَ في نهجِ أنصارِهَا

يا انتماءَ «الكُمَيتِ» ويازفرتيْ
«دِعْبِلٍ» واعتناقاتِ «مِهيارِ» ها

في هوى الناسِ أبدعتَ معزوفةً
من نياطِ الحشا نبضُ أوتارِها

بابتساماتِكَ ارتسمتْ جنةٌ
شعشعتْ بشرياتٌ بأطيارِها

بالمحبّةِ أبصرتَ ما لايُرى
ما الذي اصطدتَهُ عبرَ منظارِها؟

حينَ غادرتَ أيامَنا فجأةً
قد نأتْ مهجةُ الأُنسِ عن دارِها

والقطيفُ مساءَ الرحيلِ التظتْ
حيثُ أمسيتَ آخِرَ أخبارِها

كيف هبَّ الردى من تجاويفِهِ
لاقتلاع الليالي وسُمَّارِها؟

هل سمعتَ انكسارَ الصدى حينما
رنَّ في الأرضِ إيقاعُ حفَّارِها؟

هل رأيتَ الدموعَ التي اسَّاقَطَتْ
يالحزنِ الحقولِ وأثمارِها؟

يا قريبًا من النفسِ في سرِّها
قربَ تلكَ الحمامةِ من غارِها

في شفافيّةٍ من زجاجِ المدى
كنتَ روحًا تماهتْ بأنهارِها

واسمُكَ المُزدهي بينَ أسمائِنا
طرَّزَتْهُ المعاني بتذكارِها