آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

القاسم بن الإمام الكاظم (ع)

القاسم سليل بيت الطهارة والعصمة وقد غذته يد الإمامة التي عاش في كنفها، وقد كان عظيما جليل القدر ويدل على مكانته العالية محبة أبيه الإمام الكاظم له والتي صرح بها لأحد أصحابه «أبو عمارة يزيد بن سليط»، وهذه المحبة من الإمام المعصوم لا تعبر عن العلاقة العاطفية من أب تجاه ابنه، بل هي شهادة ومديح وقع في محله على شخص يستحق ذلك لما يمتاز به من صفات حميدة وكمالات وسمو روحي في علاقته بربه، والنزر القليل الذي وصلنا من سيرة القاسم يدل على ما اتصف به من رجاحة عقل وعفة وزهد في الدنيا، وهمة عالية قابل بها الصعاب التي واجهها في أصعب الأزمان التي مرت على أهل بيت رسول الله ﷺ، ولكنهم أظهروا أنهم أهل الصبر وتحمل المشاق دون أن تكسر نفوسهم أو تزعزع إراداتهم العدوانية والبطش.

لقد واجه القاسم عهدا من الاضطهاد والظلم قد بلغ حده الأقصى، مما حدا به إلى اتخاذ قرار الهجرة من مدينة جده المصطفى والتي ما كان يعاف المقام فيها بطيب الخاطر ولكنه مرغم على ذلك، فالبقاء في المدينة يعني تعرضه لأسوأ العواقب والتي أصابت إخوانه وبني عمومته، ولقد أخفى هويته واسمه عن كل من لاقاه وما أفصح عن ذلك إلا في اللحظات الآخيرة من عمره الشريف لعمه «والد زوجته»، وقد يمم وجهه نحو المشرق باتجاه مرقد حامي الجار أمير المؤمنين وذلك لعلمه بوجود هوية الولاء والتشيع حوله، وما زال مجدا في سيره ومتخفيا عن عيون السلطة حتى وصل منطقة «باخمرا»، والتي اشتهر أهلها بتخمير الطين فسميت المنطقة بذلك.

وصل القاسم عند نهر «سورى» فوجد عنده فتاتين تستقيان ماء البئر، وأراد القاسم أن يشرب منه ولكن ما لفت انتباهه ما تناهى إلى سمعه من قسم بأمير المؤمنين ، وهو اللقب الذي ورد في الروايات عن رسول الله ﷺ في حق الإمام علي بن أبي طالب ، ولكن ادعاه غيره طلبا للشرف والامتياز، فأراد القاسم أن يتأكد من مقصود الفتاة بأمير المؤمنين فأنبأته بأنه صاحب بيعة الغدير فاطمأن قلبه وطلب منهما أن يدلاه على بيت رئيس الحي فأخبراه بأنه والدهما، فنزل القاسم عنده ثلاثة أيام الضيافة وفي اليوم الرابع طلب منه أن يعمل بما يؤمن له لقمة عيشه دون أن يكون عالة على أحد، وهذا يدل على عنصر الشهامة والكرامة عند القاسم فما أراد إلا أن يكون عنوانا للعزة ومصدر تأسي للمؤمنين في الكدح والكسب من عرق الجبين، فلا يقبل بأن يكون عالة على الآخرين إلا من هانت نفسه وضعفت عزيمته.

والقاسم حينما بحث عن عمل أشار إلى مكان شاغر لا يشغله أحد؛ لئلا يزاحمه أو يقطع عيشه وهذا يدل على عظمة القاسم ونبله ومروءته، وفطنته من خلال اختيار عمل سقي الماء حيث ربط خروج الفتاتين للسقي بعدم وجود عامل يقوم بذلك فوافق شيخ الحي، وقد كانت عينا الشيخ تراقب القاسم فما زاد عنده إلا مكانة وإكبارا وإعجابا في نفسه، بما رأى منه من حسن خلق وتعامل ورجاحة في التفكير وصوابية في منطقه، ومما لفت نظر الشيخ عبادة القاسم الواعية حيث كان يقف بين يدي مولاه تعالى وملؤه الورع والخشية من الله تعالى، وللقاسم هيبة وجلالة قدر منعت الشيخ من سؤاله عن اسمه ونسبه، وهذا ما دفع الشيخ لطرح أمر الزواج على القاسم من إحدى ابنتيه حيث توسم فيه النجابة، فاختار القاسم من حلفت باسم أمير المؤمنين فكانت نعم الزوجة له وأنجبت له ابنة أسماها باسم جدته الزهراء فاطمة ، وعاش القاسم بين ظهرانيهم كنجم لامع في سماء التقوى والإرادة الصلبة والتعامل بالحسنى حتى أكمل من عمره الشريف الثلاث والأربعين سنة، حتى مرض ودنت منه المنية فلما رأى حاله شيح الحي رق لحاله وسأله بما جال في خاطره من تساؤل عن اسمه ونسبه، فأخبره بأنه سليل النبوة والشجرة العلوية، فطفق الشيخ يلطم على رأسه خجلا من رسول الله ﷺ بأن استعملوا ابنه الطاهر في عمل السقي، فتشكر منه القاسم على حسن الضيافة والإيواء والمعروف معه، وأوصاه بأن يجهزه ويدفنه في باخمرا، وأن يأخذ ابنته فاطمة لأهله في المدينة المنورة بعد رجوعهم من الحج، فإنها إذا وقفت على دور بني هاشم ستعرف دار جدها الإمام الكاظم وسيعرفها أهلها.

مولانا القاسم قصة الدور الرسالي والمكافحة ورجاحة العقل والخلق الرفيع، عاش ومات غريبا تاركا لنا سيرته العطرة لنتأسى بها.