آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

الرِّجال لا يبكون إلا لأمرٍ جلل!

المهندس هلال حسن الوحيد *

كان اللهُ في عونِ الرِّجال الثكالى، فعندما يبكي الرِّجال فإن الخطبَ فادح، ويبكون أحزانهم سرًّا:

كانت أم زيد بن حارثة من بني معن من طيئ خرجت به في الجاهليَّة تزور قومها بني معن فأغَارت عليهم خيلٌ لبني القين فأخذوا زيدًا فقدموا به سوقَ عكاظ فاشتراه حكيمُ بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد عليها السَّلام فوهبته خديجة للنبيّ صلى اللهُ عليهِ وآله وقيل بل اشتراه رسولُ الله بمكَّة من مالِ خديجة فوهبته له فأعتقه وتبناه وكان أبوه قد وجدَ لفقده وجدًا شديدًا فقال فيه أبياتًا حزينة تشبه النَّوحَ والبكاء:

بكيتُ على زيدٍ ولم أدرِ ما فعل * أحيٌّ فيُرجى أم أتى دونه الأجلْ
فواللهِ ما أدري وإن كنتُ سائلًا * أغالكَ سهلُ الأرضِ أم غالكَ الجبلْ
فيا ليتَ شعري هل لكَ الدهر رجعة * فحسبي من الدّنيا رجوعكَ لي عللْ
تذكرنيهِ الشَّمسُ عند طلوعها * وتعرض ذكراه إذا قاربَ الطَّفَلْ
وإن هبَّت الأرواحُ هيَّجنَ ذكره * فيا طولَ ما حزني عليه ويا وجلْ
سأعمل نص العيسِ في الأرضِ جاهدًا * ولا أسأم التطوافَ أو تسأم الإبلْ
حياتي أو تأتي عليَّ منيَّتي * وكلُّ امرئٍ فانٍ وإن غرَّه الأملْ
سأوصي به قيسًا وعمرًا كليهما * وأوصي يزيدًا ثم من بعده جبلْ

ثم إن حُجَّاجًا رأوا زيدًا فعرفهم فقال لهم أبلغوا أهلي هذه الأبيات فإني أعلم أنهم جزعوا علي فقال:

ألكني إلى قومي وإن كنتُ نائيًا * باني قطين البيتِ عندَ المشاعرِ
فكفوا من الوجدِ الذي قد شجاكم * ولا تعملوا في الأرضِ نص الأباعرِ
فإني بحمدِ الله في خيرِ أسرةٍ * كرامٍ معد كابرًا بعد كابرِ

فانطلقوا واعلموا أباه ووصفوا له موضعه وعند من هو فخرج أبوه حارثة وعمه كعب ابنا شراحيل لفدائه فقدما مكَّة ودخَلا على النبيّ صلى اللهُ عليهِ وآله فقالا: يا ابنَ عبد المطلب يا ابنَ هاشم يا ابنَ سيِّد قومه جئناكَ في ابننا عندك فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه. فقال: من هو؟ قالوا: زيد بن حارثة، فقال رسولُ الله صلى اللهُ عليهِ وآله فهلَّا غير هذا؟ قالوا ما هو؟ قال: ادعوه وخيروه فان اختاركم فهو لكم وإن اختارني فو اللهِ ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحدا. قالا: قد زدتنا على النصف وأحسنت، فدعاه رسولُ الله صلى اللهُ عليهِ وآله فقال: هل تعرف هؤلاء قال: نعم هذا أبي وهذا عمِّي، قال: فأنا من قد عرفتَ ورأيتَ صحبتي لك فاخترني أو اخترهما؟ قال: ما أريدهما وما أنا بالذي أختار عليك أحدًا أنتَ منِّي مكانَ الأبِ والعم.

فقالا: ويحكَ يا زيد أتختار العبوديَّة على الحريَّة وعلى أبيكَ وأهلِ بيتك قال: نعم، إني قد رأيتُ من هذا الرَّجل شيئًا ما أنا بالذي أختار عليه أحدًا أبدا. فلما رأى رسولُ الله صلى اللهُ عليهِ وآله ذلك أخرجه إلى الحجر فقال: يا من حضر اشهدوا أنَّ زيدًا ابني يرثني وأرثه، فلمَّا رأى ذلك أبوه وعمُّه طابت نفوسهما وانصرفا.

ولزيدٍ هذا وزوجته حكاية جميلة ذكرَ القرآنُ الكريم شيئًا مهمًّا منها، لمن أرادَ أن يقرأها.

مستشار أعلى هندسة بترول