آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:01 م

دور رجال الأعمال في تعزيز الصحة العامة

حسن المصطفى * صحيفة الرياض

«عقب تغلُّب زوجتي على مرض السرطان، بحمد الله تعالى وعنايته، استشعرت أنه من واجبي أن أعبّر عن مدى تقديري وامتناني للمستوى المتميز من الرعاية والعلاج الذي تلقّته أثناء محاربتها للمرض. وإنه من دواعي الفخر المشاركة في دعم مؤسسة الجليلة ومساعيها الطيّبة لتزويد مرضى السرطان في الإمارات بالعلاجات المناسبة. ومن المؤكد سيكون المستشفى الخيريّ بمثابة منارة أمل للمرضى وعائلاتهم».. يقول رجل الأعمال البحريني ياسين جعفر، المقيم في إمارة دبي، وذلك عقب تبرعه بمبلغ 10 ملايين درهم إماراتي، ل» مؤسسة الجليلة»، دعماً ل» مستشفى حمدان بن راشد الخيريّ لرعاية مرضى السرطان».

التجربة العميقة، الممزوجة بالألم والأمل التي خاضتها العائلة، أثناء مرض أم محمد، أثرت عميقاً في أفرادها، وهي كانت محركاً أساسياً لاستشعار المسؤولية تجاه الآخرين الذين مروا بتجارب مشابهة، وقد لا يملك المئات منهم القدرة على العلاج وتحمل تكاليفه الباهظة، أو ينتظرون مواعيدهم في المستشفيات الحكومية ضمن قوائم انتظار طويلة!

ياسين جعفر الذي عاش مع زوجته وأسرته تلك اللحظات الصعبة، الممزوجة بالدموع والابتسامات، اليأس والأمل، انتظارا للشفاء والقلق من تفشي المرض، دفعه كل ذلك هو وأسرته لأن يمارسوا الامتنان، ليس فقط بمعناه الديني شكراً لله على نعمة الشفاء، بل أيضاً في صورته الاجتماعية، دعماً للناس المصابين بالسرطان لعبور الجسر نحو حياة أفضل.

هذه الخطوة يجب أن تشجع رجال الأعمال في الخليج العربي على العمل باتجاهين:

أولاً: التحلي بالمسؤولية الاجتماعية، والمشاركة في النفع العام، والعمل على دعم المؤسسات الأهلية والمدنية بما يجعل المجتمعات أكثر قدرة على مواجهة الصعوبات التي تواجهها يوماً بعد آخر.

هنالك مئات رجال الأعمال، إن لم يكن آلافاً منهم في دول الخليج العربية، استفادوا من الفرص المتاحة، وبعضهم بنى ذاته من العدم، وآخرون حصلوا على تسهيلات من الحكومات المتعاقبة التي وضعت خططاً لإدماج التجار في بناء الدولة الحديثة. هؤلاء التجار أو المستثمرون أو العقاريون، لدى شريحة واسعة منهم ملاءة مالية عالية، وقدرة على المساهمة في تنمية المجتمع، وبناء مشاريع اقتصادية وخدمية وصحية وتعليمية وترفيهية ورياضية.. وسواها، إلا أن العقلية التي تتحكم في شريحة منهم تجنح نحو عدم البذلِ أو المشاركة من جهة، أو رمي الثقل على الأجهزة الحكومية والقول إن هذه مسؤولية الدولة وليست من مهام رجال الأعمال!

هذا النوع من التجار عليهم الخروج من التفكير الضيق، شحيح العطاء، الذي لا يفرح بمشاركة المجتمع وأفراده النمو والرفاهية، طالما هم يجلسون مطمئنين لوضعهم المالي وقدرتهم على الاسترخاء!

ما لا يعيه الكثير من هؤلاء، أن الرخاء الجمعي ينعكس رخاء على الأفراد ذاتهم؛ وأن نهضة الطبقات المختلفة، ستؤدي إلى رفاهية اقتصادية عامة، وبالتالي، فإن مساهمة رجال الأعمال في دعم الاقتصاد والتعليم والتدريب والمؤسسات الخيرية، سيكون له نفعٌ مادي لهم أيضاً ولشركاتهم، فضلاً عن الآثار النفسية والذهنية العميقة على الشخص الذي يساهم في خير الناس.

ثانياً: يجب ألا يكتفي رجال الأعمال بدعم مؤسسات النفع العام والجمعيات الخيرية والمراكز الصحية وحسب، بل عليهم تأسيس نمط تجاري جديد في السوق، يعتمد على الاستثمار في «الغذاء الصحي» بمعناه الفعلي وليس التسويقي المبتذل الذي ينتشر حالياً.

إن مكافحة أمراض مستعصية مثل «السرطان» يكلف ميزانية الصحة العامة مبالغ طائلة جداً، ولذا سيكون من الأجدى تشجيع أنماط غذائية وحياتية صحية، تحد من نسب الإصابة بهذا المرض.

رجال الأعمال يمكنهم الاستثمار في مشاريع صحية، رياضية، بيئية، صناعية، تدعم الاقتصاد «الأخضر» القليل الملوثات، والذي يحد من تأثير السموم والبلاستيك والمواد الكيميائية على الصحة العامة، كما الاستثمار في الأطعمة العضوية الصحية، عبر تحسين جودة المزروعات والماشية والدواجن والأسماك؛ وهي عملية مستدامة وطويلة الأمد، إلا أنها مصدر دخل جيد جداً من جهة، وأيضاً ستساهم في الحد من الأمراض في المجتمع من جهة أخرى.