آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 1:22 م

مضمار الحياة

هناك عوامل تحدد معالم شخصية الإنسان ومدى قدرته على التعرف على مهاراته وملكاته وتنميتها وتوظيفها في مسار حياته ومستقبله وعلاقاته، ومن تلك العوامل هي نظرته إلى مفهوم السعادة التي يسعى كل إنسان إلى الظفر بها والاستظلال بفيافيها، فما يحقق السعادة ليس هو المال أو الجاه الذي يبقى معهما الهم والحزن بسبب الحرص عليهما وبذل ماء الوجه واستخدام أساليب المراوغة والخداع في سبيل تحقيقهما، وكم صاحب ثروة أو جاه يبان منه الفرح وراحة البال ولكن جوفه يغلي بالضغوط النفسية والمشاعر السلبية تجاه الآخرين، فالمال وسيلة لتحصيل مستلزمات الحياة الكريمة وإفاضة جزء منه لبلسمة آلام المحتاجين، فالسعادة تجاه الأمور المادية تنشأ من القناعة بما يتحصل عليه من رزق مع تحفيزه لقدراته وإمكانياته في ميدان العمل، فالسعادة الحقيقية راحة البال والطمأنينة النابعة من التصالح مع النفس والسعي لإثبات الوجود بالفعل لا بالدعاوي، مع تنمية القدرات الثقافية والعلمية والأخلاقية والاجتماعية وتوظيفها في سبيل تحقيق آماله وتطلعاته ومعالجة ما يواجهه من أزمات.

العامل الآخر الذي نشير له في تحقيق التوازن في الشخصية وتنميتها هو مدى الاستفادة من عامل الوقت والنظرة الإيجابية أو السلبية إلى أجزائه، فهناك من لا يولي هذا الأمر أي أهمية في حياته فتنساب من بين يديه الكثير منها قد ضيعها فيما لا جدوى منه، لا يقف بين يدي مرآة النفس فيحاسب نفسه ويقيم شخصيته فيرى كيف أهدر كنزا ثمينا، وهناك من يرى في عامل الوقت مضمارا يتخطى من خلاله مراحل أهدافه لتحقيقها على أرض الواقع، ولذا فهو غير مستعد لتضييعها في الترف الفكري والانحدار الأخلاقي وجلسات لا تضفي على شخصيته ألقا ورقيا، والمرء إذا تربى ونشأ على ملاحظة أهمية السعادة المتولدة من هدوء النفس وراحة البال وعامل الوقت الثمين منذ صغره، سيشكل معالم القوة والاقتدار في شخصيته والثقة بالنفس في مواجهة التحديات، كما سيبذل قصارى جهده لتحقيق ذاته والعمل الحثيث على إيجاد لمسات إنجازية تنسب له.

انظر إلى تلك الأوقات التي يهدرها الشاب والفتاة في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي ومتابعة المواد المرئية للمشاهير واستعراض أخبارهم وموضاتهم، دون أن يلتفت المرء إلى تقادم الأيام مما يؤدي به إلى المعاناة من هشاشة فكرية وسلوكية لم تؤهله إلى أن يتبوأ مكانة مناسبة.

تنمية الجانب المعرفي والثقافي بلا شك عامل مهم في فهم واقع الحياة وبناء منهج عملي يخوض من خلاله المهام والواجبات عليه، ولنفكر قليلا في سبب ضحالة أو قلة الاهتمام بالكتاب عند شبابنا مع ما تقدمه الأوراق المقروءة بتمعن وتأمل من زاد علمي ينمي مدركاته العقلية، مع ملاحظة أن علاقتنا بالله عز وجل وأداء الواجب العبادي على أتم وجه يرتكز على معرفة المضامين العالية التي تختزلها تلك العبادات، وهذا ما يتطلب الاطلاع على الكتب الفقهية والعقائدية والتفسيرية والأخلاقية المناسبة لمستواه لهضم وفهم تلك الحقائق.

كما أن طريقة التفكير المتزنة والتعامل مع المشاكل والعقبات وأوجه التقصير والأخطاء تخضع للسعة الثقافية والخطة المنهجية في التعاطي مع المعلومات والبحث عن المخارج والحلول بعيدا عن التهور والتعامل العاطفي، بل هي نظرة يبصر من خلالها العواقب والنتائج المترتبة على أي خطوة يقدم عليها، فالثقة بالنفس والقدرات لا تنشأ من فراغ بل هي نتاج تجارب يخوضها ويوظف فيها إمكانياته لتجاوز العقبات، مما يكسبه خبرات تنفعه في المستقبل وتسانده في مواقف حياتية أخرى.

سيرة الإنسان كلوحة يخطها الرسام بأنامله ليبدع تحفة فنية رائعة أو مجموعة خطوط متعرجة لا معنى لها، كذلك سيرة الإنسان في الحياة يرسم معالمها من خلال طريقة تفكيره وسلوكياته ومنجزاته وطريقة تعامله مع الآخرين، فوجودنا مرهون بحيز من الإنتاج والفاعلية والنشاط ومقدار حركتنا تجاه التكامل في كل الجوانب.