آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 1:25 ص

يا إبني! أنا أبوك هل تعرف ماذا تعني لي كلماتُ الشكرِ منك؟

ينفخ أحدُ الأصدقاءِ صدره مثلما ينفش طاووسٌ ريشه الملون ويفتخر بأن أولاده يرسلون له عدَّة رسائل ويهاتفونه كلَّ يومٍ مرَّةً أو أكثر! يحق له أن يزهو ويفتخر، فنحن الآباء عندما ننفق من كيسِ عواطفنا دون منَّة ومجبولونَ على هذا الإنفاق نحتاج من يقول لنا: الله يعطيك العافية.. كيفك يا والدي؟ ونودّ أن نسمعَ كلماتِ الشكر الرَّقيقة والثناء من الأبناءِ والبنات.

أجزم أن هذا الصَّديق استثناء إيجابي من القاعدة، وأن ملايين الرَّسائل التي تطوف بين النَّاسِ كلَّ ومضة برق، في الصباحِ والمساء، القليل منها من الأبناءِ للآباءِ وللأمهات، فكلهم غارقٌ في حياته الخاصَّة. وأجزم أيضًا أن هناكَ الكثير من الأبناءِ من لا يدور بينه وبين أبيه حديث أو لقاء لسنواتٍ عديدة!!

كل أبّ يحتاج الإطراءَ والمديح مثلما يحتاج الاكسجين ويستنشق أنفاسَ الحياةِ العطرة، والرسالةَ القصيرة أو المكالمة بين فترةٍ وأخرى هي إشعار للوالد بأنه أحسنَ التربية وأدى واجبه على ما يرام! أما إذا لم ينل شيئًا من هذه العواطف، فهذه رسالة من الأبناء - قد تكون خاطئة - بأنه لا يستحق الإطراءَ والمديح. الغريب أننا لا نتردد في شكرِ الغرباء، وأحيانًا على صغائرِ الأمور - وهذا طيِّب - والأب لا يحصل إلا على القليلِ من الشكر، إن حصلَ على شيءٍ أصلًا! ويعتبر الأبناءُ الحبَّ الصرفَ والرعايةَ حقًّا مكتسبًا دون مردود سوى من الله بعد الممات!

أين الخطأ في هذا تسألون؟ المشكلة أنني لم أشكر أبي وأثني عليه، فلذلك لم يشكرني ولم يثني عليّ أولادي وبناتي! علاقة فيها أب وأبناء وواجب ونار وجنَّة، وفيها القليل من الصَّداقة والعاطفة المبذولة طوعًا دون إلزام. الخطأ أنَّ تيارَ الإهمالِ في العلاقة يجرفنا ولا نشعر بقوة التيار إلا إذا جرفنا في طاحونته أسفلَ القاعِ وانتهى كلُّ شيء، قضيَ الأمرُ الذي فيه تستفتيان!

لن يتوقف أبٌ - طوعًا - عن أداءِ واجبهِ الأسري إذا لم يحصل على إتصالٍ أو رسالة من الأبناء، إلا أنَّ هذه الإشارات البسيطة تشعر الأب بالسعادة في استذكارِ ما قدَّمه للأبناء من تعبٍ ومشقَّة حتى صاروا إلى ما صاروا إليه من علمٍ وعملٍ وتميز، كلمات قليلة تنسيهِ تعب السنين.

لا أعرف كم من الشبَّان والشابَّات يقرأون هذه الخاطرة، التي أقول فيها لهم: اكتبوا لهم.. اتصلوا بهم.. اشكروهم على تعبهم.. وطيِّبوا خواطرهم بين الحينِ والآخر. اشكروا اللهَ أنكم كبرتم وهم خيمة تظلكم من وهجِ حرارةِ شمسِ الدنيا وتَقيكم بردها. لا يكفي أن تقوموا بأفعالِ البرّ بالفعلِ فقط، فلربَّما كلمة أجمل عند الأب من ألفِ فعلٍ وألف هديَّة!

مستشار أعلى هندسة بترول