آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 4:55 م

عواطف طفلك بين التوظيف والاستفزاز

تهتم الأسر الناجحة بتنمية قدرات أبنائها على مستوى التفوق المدرسي وتحقيق أفضل النتائج، فتهتم بمذاكرته وأداء واجباته والتحضير لدروسه ليكون عنصرا فعالا ومشاركا أثناء الحصص وكذلك في أداء المهارات اللازمة، وهذا أمر حسن ويقع في صلب المسئوليات الأسرية ولكنه يقتصر على جانب واحد مهم ويغفل عن الجوانب الأخرى في شخصية الأبناء، إذ من الجوانب المهمة في إدارة دفة الحياة والتحكم في مسارها نحو الإنجاز هو القدرة على التحكم في العواطف «الذكاء العاطفي» بعيدا عن التبلد وقلة التفاعل أو الاستفزاز، وقد لا يولي البعض أهمية للأمر ويراه مجرد ترف أو برامج مكملة لا أكثر لا ينبغي التوقف عندها كثيرا، وهذا الإغفال أو قلة الاهتمام بهذا الجانب يجعل الأبناء لا قدرة لهم على مواجهة المشكلات والظروف الصعبة بالشكل الصحيح، إذ أن الانفعالات المصاحبة للمشاكل التي يصادفها أو العراقيل أو الإخفاق الدراسي تجعله أسيرا لحالة الانكفاء على نفسه واجترار الآلام والهموم، وقد يصاب بحالة من اهتزاز الثقة بالنفس واليأس من تحقيق أي تقدم أو إنجاز مستقبلي.

كما أن علاقاته الاجتماعية والأسرية تقوم على أساس الاحترام والمحبة والتعاون المتبادل، ومتى ما كان الابن يعاني من ضعف في التحكم بعواطفه فإن علاقاته ستفقد الاستقرار والنجاح، فضبط النفس والكلمات الصادرة منه ومراقبة تصرفاته وسلوكياته لتكون في إطار الاتزان والمقبولية رهين بضبط انفعالاته وأحاسيسه من التأثر بالظروف المحيطة به، وبالتأكيد فإن الأسرة والبيئة التعليمية لهما دور مهم في ضبط انفعالات النشء ومساعدته على توظيف مشاعره في استقرار حياته وعلاقاته.

ومن أفضل السبل في تقدير ظروف الآخرين والطريقة المثلى في التعامل معهم هو وضع النشء نفسه مكان الآخرين، ففي تلك الحالة سيقدر طريقة تفكيرهم وتصرفاتهم ومن ثم يتعامل معها بأريحية بعيدا عن التهور وردات الفعل العنيفة، فمثلا عند حدوث احتكاك أو خلاف مع أحد أقرانه قد يتطور الأمر إلى حدوث شجار ومشاحنة وقد تصل إلى القطيعة، وتكرار حالات الخلافات التي يستتبعها المناكفات والمشاجرات - بالتأكيد - تؤثر على الصحة النفسية عند النشء، كما أنها تشتت ذهنه عن تحقيق واجباته المدرسية وممارسة النشاطات التي تنمي مهاراته المختلفة، ولا يكبح جماح العواطف الانفعالية عند النشء إلا من خلال الدور الأسري التوجيهي والمتابع لسلوكياته والموفر له البيئة الهادئة البعيدة - كل البعد - عن الاستفزاز والأجواء الصاخبة بالصراخ والعنف اللفظي، فالبحث عن حياة ناجحة وسعيدة يراعي فيها البحث عن حلول مناسبة لما يواجهه من مشاكل وعثرات، وكذلك البحث عن علاقات تنعم بالاستقرار من خلال توظيف المشاعر بنحو دقيق وراق لمواجهة أي خلاف أو سوء فهم هو هدف سام ينبغي العمل على تحقيقه، ويلعب عامل التحفيز والتشجيع الأسري في حصول النشء وتنعمه بحياة سعيدة، ولذا من المهم أن يفسح المجال للابن أن يعبر عن حاجاته ومشاعره وتطلعاته حسب ما يستقر في نفسه، فذلك يعوده على الصراحة وحسن الاستماع للآخرين وفهم نفسه بشكل أفضل وإبداء الاهتمام بمن حوله، وتبادل وتجاذب أطراف الحديث معه يعلمه تقبل وجهات النظر الأخرى والتعامل مع الواقع بهدوء بعيدا عن التشنجات، فالضغوط الحياتية والدراسية والعملية تستفز المشاعر وتحتاج إلى ذكاء وقدرة على ضبطها وعدم الانجرار خلف الإفراط في الحساسية المشاعرية، فلا يمكن للنشء أن يكون عاملا منجزا ومتفاعلا مع حوله ونشطا في توظيف قدراته في الحصول على حياة سعيدة ما لم يكن واثقا من نفسه، وتلك الثقة بالنفس تعني توظيف قدراته ومهاراته في مواجهة التحديات بالفكر الواعي والعاطفة الموجهة.

الاهتمام بالجانب العاطفي عند أبنائنا وتوجيهها نحو الهدوء والتفاعل والتوظيف جانب مهم لا ينبغي إغفاله، وذلك لما يترتب على هذا الإهمال النظري بعدم تحفيز النشء عاطفيا، أو من خلال الإهمال العملي المتمثل بتقديم بيئة أسرية أجواؤها تمتاز بالانفعالات الشديدة والاستفزاز والخلافات، سينطبع بنحو سلبي على شخصيته ومستقبله ويمثل عائقا من نجاح علاقاته.