آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 7:06 م

صفعة باتون

فاضل عباس أحمد الجميعي *

أثناء الحرب العالمية الثانية لم يحظ جنرال من جنرالات قوات التحالف بالمكانة الرفيعة ولفت الأنظار مثلما حظي بها الجنرال جورج باتون، وكان هتلر يخشى من باتون أكثر من أي جنرالٍ آخر.

كانت وسائل الإعلام تتابعه أولاً بأول حرصاً منها على نشر مستجدات الحرب، ومعرفة أخبار الجيش الثالث الذي كان تحت قيادته.

فما هو سر اهتمامهم بذلك الجنرال غريب الأطباع؟ ولماذا لم يستطع باتون أن يرتقي في سلم القيادة أسوة ببقية زملائه؟

الجنرال الذي ينحدر من عائلة معروفة بالمحاربين الأشداء الذين خدموا في الجيش الأمريكي، مما كان له الأثر البالغ في تعزيز صورته كامتداد لتلك العائلة المُحارِبة.

تمكن باتون من تحقيق العديد من الإنجازات التي تفوق بها على جميع جنرالات التحالف دون استثناء.

حيث في غضون ثلاثين يوما فقط، أنهى باتون اجتياحه لفرنسا وتحريرها من النازيين، كما شارك بشكل رئيسي في غزو الدول التابعة لألمانيا النازية في أوروبا مثل بلجيكا وتشيكوسلوفاكيا والنمسا.

لكن حادثتين وقعتا أثناء الحرب تسببت في تشويه سمعة الجنرال الكبير، وإبعاده عن المناصب القيادية.

حيث ضرب جسديًا جنودًا في المستشفى لم تظهر عليهم أي علامات خارجية للإصابة.

الأولى في 3 أغسطس، زار باتون مستشفى الإخلاء في، صقلية، حيث قابل أحد الجنود، الذي بدا وكأنه غير مصاب.

عندما سُئل عما عانى منه، أجاب الجندي: ”أعتقد أنني لا أستطيع تحمله“. شتم باتون الجندي، ووبخه بأنه جبان، ثم صفعه على وجهه بقفازه وركله خارج الخيمة. تم تشخيص إصابة الجندي لاحقاً ب الملاريا وتم التكتم على الحادثة، ولكن وقعت حادثة أخرى في 10 أغسطس.

كرر باتون المشهد في مستشفى الإخلاء بالقرب من سان ستيفانو، صقلية. تم تشخيص حالة احد الجنود بالتعب القتالي، وعندما رأى الجندي يبكي، صفعه باتون مرارًا، وشتمه، وهدده إما بإرساله إلى الخطوط الأمامية أو قتله رميا بالرصاص.

اندلعت أخبار الحوادث في أواخر نوفمبر 1943، مما تسبب في ضجة ضخمة. دعا الكثير في الكونجرس والصحافة الأمريكية إلى إقالة باتون، وأجل مجلس الشيوخ ترقية باتون إلى رتبة لواء دائم، كما تم الاستغناء عن جهوده في أكثر المعارك أهمية في ختام الحرب.

يعد باتون من عباقرة العسكريين الذين برزوا في وقتٍ استثنائي، ولكن افتقاره لحس التعاطف مع الجنود وأسلوبه الفظ وقسوته الشديدة جعلته بعيداً عن تولي أي منصب قيادي مهم كان الأجدر به من بقية زملائه لولا عصبيته وعنجهيته التي لم يستطع التخلص منها.

إن الأخلاق الطيبة والاهتمام بالمجموعة التي تديرها والتفهم لظروف المحيطين بك، وإبداء العذر لهم والتسامح مع الهفوات التي تصدر عنهم والتحلي بالمرونة في التعامل مع مخاوفهم وظروفهم، تعد من الركائز الثابتة التي لابد أن يتمتع بها أي قائد ناجح.




 

بكالوريوس لغة انجليزية من جامعة الملك فيصل
عضو في منظمة التوستماسترز العالمية