آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 7:06 م

أهمية التقدير

علي أحمد آل رضي

لعل سجلّ الأداء المرتبط بتطبيقات الذكاء الصناعي يأتي ذات يوم ويعمّم ويكون أكثر واقعيّة لشريحة واسعة من المعنيين الكادحين في مختلف مواقعهم الوظيفية، فيساهم في تخفيف الإنفعالات وردود الأفعال السلبيّة والمضرّة وبما يعزّز أهميّة البيانات السلوكية والحسيّة الأخرى التي هي مكمّلة للظاهر من معلومات المهام النظرية والعملية. من جهة أخرى لا غرابة أن تنعكس الصورة إجمالاً بحيث يكون التقييم من الطرف الآخر وليس ممن اعتاد أن يكون بيده الزّمام، ولعل الخصخصة تساهم في الغاء النمط العتيق الذي يحدد علاوة سنويّة منخفضة ثابتة دون اكتراث بأهمية المراجعة والنقاش والشكر واحتياجات التطوير.

شركات ومؤسسات كبرى شرعت في العقود الأخيرة - لأمور محالة إلى تقدير الميزانية - على تطبيق مبدأ تحديد نسب مستوى الأداء وبشكل إلزامي في عملية التقدير السنوي لموظفيها بحيث تكون النسبة الكبرى للأداء المتوسط ونسب منخفضة جداً للمتميّزين كما المتقاعسين، مما يضطرّ المديرون دائماً لإكمال الإجراء بشكل غير مرضي ومكلف حين يستوجب خفض مستوى الأداء الفعلي ولربما التخلّص من موظفين عاندهم الزمن وأوقعتهم آلية التقييم في أسفل القائمة. يقول جان جاك روسو: ”القوة لا تصنع الحق“ وتطبيق هكذا آلية واقعاً مجحفة دون اضافات مكمّلة تعطي كل ذي حقٍ حقّه.

في أواخر عام 2020 نشرت قنوات الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي خبر مفاده أن شركة صينية تعمل في مجال الحديد والصلب منحت هدايا لموظفيها عبارة عن 4116 سيارة فاخرة تصل قيمتها الإجمالية إلى نحو 74 مليون دولار واضافت أن الشركة تتحمل تكاليف الترخيص والتأمين والضرائب عن الموظفين لخمسة أعوام. ويعود السبب إلى أن الشركة حققت أرباح تصاعديّة للعام الخامس على التوالي. قامت الشركة بتنظيم حفل تكريم كبير وزعت فيه السيارات على موظفيها بهدف تحفيزهم للحفاظ على الوتيرة الإنتاجية نفسها للأعوام المقبلة.

ما أجمل التقدير عندما يترجم على شكل حفل تكريم وذكرى توقِد الشغف والعطاء والإخلاص داخل الأبناء والموظفين وفريق العمل ومتميّزي العطاء المجتمعي بشتّى ألوانه هذه النشوة التي لها مفعول سحريّ يولد طاقة وجهد متناميين بصيغة دَين دائم، ولا جدال أن التكريم له بعد مستقبلي زاخر لما فيه من كسب مشترك ويساهم جليّاً في الراحة والسعادة وزيادة الإنتاج والمسؤولية، ولا يقف عند توزيع واستلام ورقة ولا درع بل هو شعور متبادل بالفخر والتقدير والاحترام والانتماء.

أبراهام ماسلو عالم النفس الأمريكي، في عام 1943 وضع نظريته ”هرم ماسلو“ أو تدرّج الحاجات التي رتّب فيها حاجات الإنسان العامة وقسّمها إلى خمس مستويات بدأها بالحيويّة مثل الهواء والأكل والماء والنوم تلتها الأمنيّة ومنها السكن والاستقرار الوظيفي والسلامة ثم الاجتماعية والتي تشمل الأصدقاء والزواج والعلاقات وتبعها بالحاجة إلى التقدير ومنها الثقة والمكانة والشعور بالإنجاز وختمها بالحاجة الذاتيّة التي تعني التميّز وتحقيق الإنجازات، ولا يبدو التسلسل مقيّد لأن أهمية المستويات تخضع إلى مؤثّرات عدّة فردية وجماعية تحرّك الأولويّات.

الحاجة إلى التقدير هو من نمط الشكر على الجهد بصِيَغه المتعدّدة البدني والوظيفي والفكري والتنافسي والأهم يبدو هو تقدير الدخول في مسار صعب لتخطي متاعب الوصول إلى المكان أو الوقت المحدد لتحقيق الإنجاز، ولا يوجد تلازم بين التقدير والتكريم فالإبن والموظف والمعلّم والمبادر وما شابه يشبعهم التقدير والاحترام بما يكفي لتنشيط وقودهم ويجدّد عطاءهم ويرفع رضاهم لأنه لا خير في تكريم بلا تقدير. غالبية مؤسساتنا الأهلية والعامة تفتقد إلى تقدير واحترام موظفيها بل هناك من يتعامل معهم بما يشبه الآلة منزوع منه ايجابية التعامل الإنساني، وتعتقد أن شهادة شكر يعفيها من التقاعس وينتقل الواجب اتجاه المحتفى بهم شكلاً، من جهة أخرى في مختلف شرائح المجتمع لا يتم تكريم 80% وأكثر ممن يستحقّون.

مؤسسة موهبة التي أسست تقريباً عام 2000 أثرت نهج المنافسة بين الطلبة والمبدعين وأتاحت الفرصة لمواصلة التنافس عالمياً، كما علينا أن نشيد بمبادرة جائزة القطيف للإنجاز التي تأسست عام 2008 وتقيم الاحتفالات بشكل سنوي لتكريم مجموعة من المتميّزين في سبع مجالات متنوعة.

في عام 2013 تداول الناس وبشكل موسع صورة لطلبة يابانيين في حفل تخرجهم، وهم يقومون بغسل أرجل معلميهم، تكريماً لهم على مجهوداتهم، وتقديراً واحتراماً لهذه الشريحة المهمة من المجتمع. كما ظهرت في الصورة إحدى المعلمات وهي تمسح دموعها تأثراً بهذا الموقف. هكذا اجاب رئيس الوزراء الياباني عندما سئل عن سر التطور التكنولوجي في اليابان قائلاً: ”لقد اعطينا المعلم راتب وزير وحصانة دبلوماسي واجلال الامبراطور“، وهذا الدلال في اليابان لايختصّ به المعلّم فقط بل يشاطره في الرفاهية عامل النظافة. الشعب الياباني تقبّل هذا التميّز والرقي في معاملة بعض المهن المهمّة المؤثّرة في التربية والتعليم والأخلاق الإنسانية. من البديهي القول أن استنساخ المثل الرائدة من الشعوب الأخرى صعب لأنها تفتقد إلى أرضية مناسبة لغرسها في بيئة مجتمعية عرضة إلى تجاذبات واحباطات لا تنتهي.

مع التطوّر التقني السريع، متوقع خلال عقدين أن تستحوذ التطبيقات والمنصّات الإلكترونية على معظم المعاملات والمناهج الإدارية، وستنخفض الحاجة إلى الاجتهادات الفردية ويشتدّ التنافس الشامل بين محترفي البرمجة عندها سيكون التقييم والتقدير غير متاح.