آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 2:22 م

قصة قصيرة

دعيدع

موسى الثنيان

استيقظ دعيدع بعد دهر فوجد نفسه فجأة في لجج النور وضوضاء تصدر من المركبات التي تسير في شارع إسمنتي صلب، حار في أمره، فقطع أشواطا في الهواء حتى رأى دغلاً مظلماً لنخلات بائسة فاستراح فيه، والنجوم تشع بوميض باهت في السماء، سأل نفسه متعجبا: أين كنت كل هذا الزمن؟

أين رؤوس النخيل الطويلة؟ أين بيوت السعف والطين وزرائب البهائم؟ أين ليل القرى المظلمة...؟!!

لم أر أم الخضر والليف إلا بعد مسافة، وقد كانت حولي تملأ المكان اخضرارا يومها كنت أعتليها في الليالي المظلمة وأرمي بالبسر على البيوت ضاحكا، كنت أرعب أقوى الفلاحين فيهربون قبل حلول الظلام تاركين نخيلهم وراءهم!

أين أنا من حكاياتهم وخوفهم ورعبهم؟ هل طواني النسيان؟!

سمع صوت حافر قادم من خلفه فاستدار فرأى أمامه امرأة لا هي من الإنس ولا من الجان، نصف جسدها العلوي امرأة ذات شعر طويل متناثر خشن، وأما الجزء السفلي من جسدها فكان حافري حمار. قالت وهي تدق الأرض بحافرها على الأرض: حل سواد الأسفلت محل سواد النخيل فأضاء للناس الفضاء.

قال: ماذا قلت يا أم حمار؟!!

أكملت كما لو أنها لم تسمع سؤاله: لم نعد نرهب الناس والأطفال؟!

ثم ضربت بحافرها الأرض ثانية وقالت بحنق بالغ: لم أعد أمارس غواية الرجال واختطاف الأطفال كما كنت في حكاياتهم؟!

أطرق دعيدع قليلا وبلمح البصر ارتقى نخلة، كانت هناك حمامة نخيل أفزعها فطارت في الظلام، النخلة ذات بسر، فاغروقت عيناه بالدموع حين شعر بغربة النخلة

لم تدمع عيناه قبل هذا وقد كان يرعب الفلاحين، لم يشاهد بالقرب منه بيتا من سعف أو طين كي يرشقه بالبسر، لم ير سوى أعمدة الكهرباء وهي تنير الشوارع المطلية بالقار الأسود وبيوتاً مبنية من الطوب ومنارة بألوان من الطيف وليل المدينة في حركة دائبة

نزل من أعلى النخيل خائر القوى

كانت أم حمار واقفة وكلما تكلمت دقت بحافرها الأرض وهي تقول: أتعلم ما الذي حصل؟!

قال: وما الذي حصل؟

أم حمار: حين جاء النفط أصبت أنا وأنت بدوار النفط، بقينا على هذه الحال سنين طويلة، فغرقنا في النفط الأسود الذي خدرنا فنمنا سنين طويلة...

ولمّا استيقظنا من سباتنا الطويل ذهلنا، فإذا بالحال تغيرت، تراجع البحر للوراء وتناقصت أم الخضر والليف فلم تعد حبيبتك موجودة كما كانت وإن وجدت فهي مشغولة عنك بروحها إذ تعد أيامها لتلفظ أنفاسها الأخيرة....

دعيدع: لم يعد لي شأن فماذا أفعل؟!

أم حمار وهي تدق الأرض بحافرها قائلة بحسم: فلنتزوج ولنعش حياتنا تحت الأرض.

صمت دعيدع وأطرق برأسه واجما ثم قال: والنخلة؟

أم حمار: الناس جاءهم ما أنساهم النخلة

دعيدع «كأنما استدرك شيئا»: أنت تريدين أن تسرقيني من النخلة كما كنت تسرقين الرجال والأطفال؟!

أم حمار: أبق معي، لقد انتهت مهمتنا وجاء النفط الذي شغل الناس عنا.

دعيدع: قد ينفد النفط ويعود النخل

أم حمار: وقد لا يبقى الاثنان

عاد دعيدع لوجومه ثم قال: إذن فلنتزوج ولنعش تحت الأرض.

 

* ملاحظة: دعيدع وأم حمار: جنيان خرافيان.
التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
Mariam
[ Awammiyah ]: 21 / 1 / 2022م - 8:11 م
واااااو
هذا دعيدع ابو الخلاقين … وين سانسانوه… ووين الصعالوة