آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 9:00 م

عندما يكون «الصيام المتقطع» مضراً

حسن المصطفى * صحيفة الرياض

استكمالاً للمقالين السابقين، وتجربتي في الامتناع عن تناول الطعام مدة 5 أيام و9 ساعات، والتي هي أحد الأنواع المتقدمة من ”الصيام المتقطع“؛ من الضروري التأكيد على أن الفرد عندما يمارس هذا النوع من الصيام، الاعتيادي منه الذي يكون ما بين 14 و18 ساعة كمعدلٍ شائع لدى العارفين ب ”الصيام المتقطع“، أو ”المطول“ الذي يتجاوز ال 24 ساعة، فإنه عندما يقوم بذلك، لا بد أن تكون لديه أهداف محددة نصب عينيه، يروم تحقيقها، وبطريقة علمية صحية، وليس مجرد الحماسة الفاقدة للتدريب والتأهيل الغذائي والمعرفي!

أحد أقاربي، عندما سمع من ابن خاله أنني صمتُ 129 ساعة، قال: إذا حسن استطاع القيام بذلك، فأنا أيضاً بمقدوري أن أفعل ذات الشيء!

القريب العزيز الذي يعتقد أنها منافسة بين الأقران، يريد فيها التفوق عليَّ، امتنع عن تناول الطعام فجأة مدة 30 ساعة، كان خلالها يدخن، ويأخذ بعض الأدوية، والنتيجة كانت أن أصيب بدوار في الرأس، وسقط، وجرحت يده، ما اضطر إلى نقله إلى المستشفى، وخياطة الجرح بثماني غرزٍ!

بعد أن قام قريبي الأثير بالسلامة من تجربته، بعث برسالة لمن أخبره عن صيامي، ضمنها الكثير من السخط، ويلوم فيها نفسه، وقام بعمل لا فائدة منه، بل جزم بأنه فعلٌ مضرٌ بالإنسان، وفق رسالته الغاضبة.

إن هكذا تجارب، لا تقوم على أسس علمية، من الطبيعي أن تكون نتيجتها سلبية، لأنها انطلقت من عقلية تروم ”المنافسة“ و”المفاخرة“ والقول إنني قادر على عمل ما يقوم به الآخرون، دون تعلم أبجديات ”الصيام المتقطع“ وآلياته والتحضير له.

هكذا يتم بناء التصورات السلبية عن ”الصيام المتقطع“ بسبب محاولات خاطئة تماماً منذ بدايتها.

إن هدف ممارسة ”الصيام المتقطع“ ليس إثبات الذات أمام الآخرين، أو كسر أرقامهم التي سجلوها، بل يجب أن تكون الأهداف ذاتية، فردية، لا علاقة لها بالآخرين، وإنما تذهب إلى شيء واحد محدد: تحسين الصحة العامة للإنسان.

إن العمل الشاق، والعمل الحقيقي، هو ذلك الذي يكون في الخفاء، في الأوقات التي تكون فيها وحيداً، بعيداً عن عدسات الكاميرات وأعين الآخرين، وتمارس شغفك بنفسك، ولنفسك، ولا تنتظر أي مكافأة أو إعجاب أو تصفيق من الآخرين، لأنك تقوم بذلك من أجل بناء الذات، ودعم قوة الذهن والروح والجسد، غير آبهٍ بعدد نقرات الأعجاب أو تعليقات الاستهجان!

عندما يقوم أي فرد ب ”الصيام المتقطع“، فهو يريد أن يرفع من كفاءة عمل جهازه المناعي لحدوده القصوى، وأن يدخل الجسم في مرحلة ”الإلتهام الذاتي“ التي تنظفه من الخلايا والبروتينات التالفة، وخفض مستويات الإنسولين في الدم، وموازنة ضغط الدم، وأيضاً التقليل من معدلات التوتر؛ ولذا، ليس من المنطقي أبداً أن يدخل الفرد في ”الصيام المتقطع“ وسيجارته بيده، أو يمضي الوقت صائماً فيما هو يدخن الأرجيلة!

أيضاً، التجربة الأولى يجب ألا يذهب فيها الإنسان إلى مستويات متقدمة، يمارسها المحترفون.

يجب أن تكون البدايات متدرجة، بحيث يتوقف الإنسان عن تناول الطعام بين الوجبات، بمعدل صيام 8 ساعات، ثم يرفعه إلى 10، وتالياً 12، وصولاً إلى 14 ساعة، حينها يتناول فقط وجبتين، ويكون جسده مهيئاً لصيام أكثر طولاً بين 16 و18 ساعة، وعندما يجرب قدرته على تحمل البقاء دون طعام مدة 18 ساعة، يستطيع رفعها لنحو 24 ساعة، مرة في الشهر أو الشهرين.. أي أن الصيام يكون بالتدرج، وعلى مدار أسابيع عدة، يتمرن فيها الجسم، وتنتظم فيها هرموناته، وتواكب هذه العملية تغذية عالية الجودة، يقلل فيها مستويات النشويات والأطعمة المصنعة والعصائر عالية الفركتوز، ويستبدلها بالدهون النافعة والبروتينات والخضار، والفواكه ذات ”الثقل الجلايسيمي“ المنخفض.

.. وللحديث تتمة..