آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

الجدال من ”أشهى“ دروس الأستاذ إبليس!

من الشَّهامة أن نعطي كلَّ ذي حقِّ حقه، إبليس أستاذ، أي نعم دروسه سامَّة إلا أنها شهيَّة وهو معلمٌ بارع جدًّا! ابتدأ إبليسُ في إتقان الجدال بمسألةٍ بسيطة: اسجد يا إبليس لآدم، فهل هناك طلب أسهل وأوضح من هذا الطَّلب؟ تعالَ وانظر كيف جادلَ إبليس هذا الطَّلب البسيط: أنا من نار وهو من طين إذًا أنا خير من آدم وكيت وكيت! ثم ورَّط نفسه وورَّط معه أبناءَ وبناتِ آدم. ما أشهى هذا الدرس، مع أن دروس إبليس كلها شهيَّة وممتعة!

بعض البشر هم دائمًا على صواب وغيرهم على خطأ، رأيه أو ستِّين ألف سيف وداهية، رأسٌ حارّ مثل فرنِ الحديد. بهدوء نناقش، نتدارس الرَّأي، وفي لمح البصر إذا اختلفنا توسعت عيناهُ وارتفعَ صوته وصارَ رأسه يابس مثل رأسِ ذوات الأربع أكرمكم الله!

يا عمِّي.. يا صديقي.. يا سيدي، خفّف ثقِّل، لكن رأسه قفل ولا كلامَ بعد ذلك. في أغلبِ الأمور، بل قولوا في كلها، رأيكَ يحتمل الصَّوابَ والخَطأ ورأيي يحتمل الصَّوابَ والخَطأ بنفسِ النِّسبة، لا أنتَ يوحي اللهُ إليكَ ولا أنا. لا داعي للفوران مثل القِدر المضغوط أو حمَّى الشِّتاء من أجل حديثٍ بسيط كان من المفترضِ أن يكون مفيدًا ويجلب البهجةَ.

عن رسولِ الله ﷺ: ”أنا زعيم ببيتٍ في ربض الجنَّة، وبيت في وسطِ الجنَّة، وبيت في أعلى الجنَّة، لمن ترك المراءَ وإن كان محقًّا، ولمن تركَ الكذبَ وإن كان هازلًا، ولمن حسن خلقه“. ما أكثر ما يجلبه المراءُ والجدال من العداواتِ التي تدوم أكثر مما يدوم المراءُ ذاته. وحقًّا صدقَ الإمامُ عليّ عليه السَّلام حين في أربعِ كلماتٍ أوجزَ سوءَ عاقبةِ المراءِ والجدال: سبب الشَّحناءِ كثرةُ المراء.

أعتقد أننا - الشرقيين - نجادل ونتجادل في كلِّ شيء، ونفعل عواطفنا الحسَّاسة في أغلبِ الأمور ونُبقي عقولنا في الخلفيَّة، في المجالس والبيوت والشَّوارع ووسائط التواصل، وما أكثر الشَّتائم في هذه الوسائط، لا تنتهي! حتى إذا لم يكن هناك من نتجادل معه أو ما نتجادل عليه، تجادلنا وتعاركنَا مع أنفسنا ومعَ أزواجنا.

واحدنا لا يكاد يصل الخمسينَ سنة إلا وشابَ رأسه ويحمل معه خمسينَ علَّة من كثر ما نضغط أنفسنا، ضغط القلب.. السكّري، وأكثر! درسَ باحثون أثرَ الجدالِ المستمر بين الأزواجِ أو الأصدقاءِ أو الأقارب على الصحَّة وتبين لهم أنه من الممكن أن يزيدَ من خطورةِ الوفاةِ في منتصفِ العمر. نختلف واختلاف الرأي لا يفسد للودِّ قضيَّة، كلُّ امرئ يأكل زاده، فلا داعي للعراكِ والاشتباك اللفظي وجرح المشاعر وتسفيه الرأي. قد نكون كلانا على صواب، أو كلانا على خطأ، ريّح بالك وريِّح أعصابك ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ !

ما هكذا يا سعد تورد الإبل، فأعقل النَّاسِ من جمعَ عقولَ النَّاسِ إلى عقله، لا من فرقهم عنه واكتفى بعقله!

مستشار أعلى هندسة بترول