آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 12:12 م

إنا أعطيناك الكوثر

تمثل مولاتنا الزهراء في طريق التبليغ والإرشاد منارا هاديا نحو الحق والفضيلة، في امتداد متواصل مع خط النبوة والإمامة لإيصال البشرية نحو تكاملها وتألقها، باستثمار الطاقات المنعم بها على الإنسان من أجل اكتشافها وتنميتها وتوظيفها في طريق السمو والعلياء وهو العبودية المطلقة لخالق الأكوان، وسيرتها المعطاءة مائدة ثراء بالمضامين العالية في جميع جوانب حياتنا وعلاقاتنا وتعاملاتنا الأسرية والاجتماعية، فالاقتداء بها سبيل الفوز والتكامل باكتساب الفضائل والصفات الحميدة التي دعت لها وطبقتها على أرض الواقع بأفضل وأبهى الصور، فقد أفاضت سيدة نساء العالمين ببركات كثيرة على امتداد الأجيال على المستوى العقائدي والفكري والعبادي وغيرها من جوانب الشخصية الإنسانية، فهنيئا لمن شد الرحال نحو جنة الزهراء صافي القلب والعقل من المشوشات من مشاغل الدنيا، فاكتسى بنور حبها وولائها والتأسي بها.

لقد لازمت مولاتنا الزهراء محراب الطاعة والعبادة والانقطاع إلى مولاها، وقد امتلأ قلبها أنسا وطمأنينة وشوقا إلى الجمال الإلهي فلا مكان فيه لمظاهر الدنيا الزائلة، فأعطت للعبادة حقها وجوهرها وجعلتها عصارة ولب وجودها وسعيها، وأبرزت في كلماتها الرائعة معاني وقيم تلك العبادات وانعكاس نورانيتها على شخصية المؤمن، ببيان تلك الصفات والفضائل التي يكتسبها العابد الواعي فيتحلى بالورع والخوف من الله تعالى.

ومن ميادين العطاء عند مولاتنا الزهراء هو البناء الأسري الذي نسجته على قواعد المحبة والوئام والتفاهم والتعاون والتضحية، وأي سعادة أسرية ينالها مبتغيها تقوم على أكثر من المبادئ الفاطمية لتكوين الأسرة الفاضلة، فعلاقة الزهراء مع زوجها كانت تمثل أسمى العلاقات والمشاعر الصادقة والمواقف الرائعة، والتي يبذل كل واحد منهما كل جهده ليوفر راحة البال وتجنب المتاعب والمشاق عن الآخر، وكذلك على مستوى علاقتها بأبنائها فقد أغدقت عليهم الحنان الدافئ وأحاطتهم بالرعاية والاهتمام والتغذية الفكرية والروحية، لقد كانت الزهراء - قدوة النساء - تطحن وتطبخ بيديها التي ترفعهما في محراب الطاعة بين يدي مولاها وترفع بهما أولادها وتربت بهما عليهم مغدقة عليهم الحنان، فما أجدر بنا أن نجعل هذه التحفة الأسرية نبراسا لنا في نسج علاقاتنا الأسرية وبناءها وفق التفاهم والحوار. فالقناعة المادية والمعنوية والعمل المشترك بين الزوجين يزيح عن كاهلهما الكثير من الهموم والمشاكل.

ولقد كانت سيدة نساء العالمين تجسيدا لكمالات وفضائل أبيها محمد ﷺ بما كانت تهبه من روحها ووقتها وجهدها في طريق العطاء المادي والمعنوي، إنها نفحة الإيثار وبذل كل غال ونفيس في طريق رضا المعبود وقضاء حاجات الآخرين، فهي المعلمة للنساء يتلقين منها معالم دينهن وتفسير كتاب الله عز وجل، وهي التي تجود بكل ما تملك كما شهد القرآن لها في آية الإطعام وغيره من المواقف الرائعة في سيرتها الغراء.

لقد كانت مولاتنا الزهراء مرآة إلهية على الأرض تكشف وتميز بين نور الإيمان في قلوب المؤمنين وظلامية الفسق والعصيان في قلوب المغضوب عليهم من رب العالمين، كما ورد عن الرسول الأكرم ﷺ: «إنّ اللهَ يرضى لرضاها، ويغضب لغضبها» «أمالي الصدوق ص 467».

فأي وصف نبوي عظيم يبين مقام الزهراء الإلهي والذي وصلت من خلاله لهذه الدرجة من القرب والرضوان؛ لتكون نبراسا ومتأسى في كل جوانب حياتنا المعرفية والسلوكية، وعلى سيرتها الغراء تبنى الشخصيات المفعمة بالفهم والاطلاع والاتزان والأخلاق الرفيعة.