آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 1:52 ص

إطلالة على دعاء الندبة

يا بن القماقمة الأكرمين «1»:

هذا مقطع من دعاء الندبة يشير إلى مقامات وفضائل أهل البيت ، وهذا التعداد لصفاتهم إنباء وبينة لما كان عليه أولياء الله من سمت الحسن والكمال.

وما نختاره من معنى هو السيد الجامع لكل أوجه السؤدد والفضل كلها وبأعلى درجاتها دون استثناء.

وقد أشار الشراح لهذا الدعاء المبارك في توضيح معنى كلمة «القماقمة» إلى أنها جمع قمقم، وهو السيد والمقدم على غيره وصاحب الخير الكثير.

وهذا هو المتبادر من معنى حينما تشير لشخص بهذا اللقب أو الوصف، ولكن هناك نقطة مهمة، وهي: هل كلمة قمقم تساوق في المعنى كلمة السيد ومن له الرئاسة والمجتمع عليه بلا أدنى تفاوت في المعنى؟

هنا لا بد لنا من سبر أغوار المعاجم اللغوية حتى نقع على المغزى من اختيار هذه الكلمة دون غيرها، بل نترقى ونقول: أن أي كلمة أخرى مقاربة لها في المعنى كالسيد والزعيم صاحب العطاء لا ترقى لبلاغة كلمة «قماقمة»، واختيارها بناء على المسار اللغوي سيتحفنا بلآليء من كنوز هذه الأدعية المباركة، بل ويوقفنا على ما كانوا يمتلكونه من بلاغة في اختيار كلمة ذات أحرف قليلة تفتح لنا آفاق المعرفة على معاني ومضامين كثيرة، وتزودنا بمعرفة عقائدية لمقام الأئمة ، إذ أنهم لم يكونوا سادة الأنام إلا باختيار واجتباء إلهي لهم، لما امتلكوه من قابليات جعلتهم يتسنموا قماقم الجبال الراسخة في المعرفة والأخلاق الرفيعة والورع الشديد خشية من الله تعالى.

فانظر - يا رعاك الله - إلى المعنى المشهور والمتبادر إلى معنى كلمة القماقم وهو السيد المعطاء، فهل كانت في سيرة أهل البيت ما يشير إلى إمساكهم بزمام أمور الناس ومقاليد شئونهم والتفاف حولهم واتباع سديد لنهجهم، أم نجد المواجهة والعناد والمحاربة لهم من قبل كثير من الناس، حتى ذاق البطش والتنكيل كل من والاهم وأظهر التشيع لهم؟

السيادة والزعامة والقيادة للناس وإن لم تتحقق لأكثر الأئمة فعليا وعلى أرض الواقع، وإنما بعد الرسول الأكرم ﷺ وأمير المؤمنين والتي تحققت بنحو جزئي على المعمورة، وتكون لصاحب العصر والزمان بنحو كلي وهيمنة على البسيطة، ولكن المقصود هو التهيئة والقابلية والاستحقاق، فالسيادة لأهل الكمال والعصمة المطلقة والمنطق الرشيد والسديد وهذا ما لا يوجد إلا عندهم وفيهم ومنهم .

ولنلق نظرة سريعة على تلك المعاني المذكورة لكلمة القماقم في المعاجم اللغوية، ونبين وجه صلتها ودلالتها على الأئمة المعصومين كوجه من أوجه إشراقة أنوارهم ؛ ليتضح لنا أن كلمة قماقم تدل على معنى أوسع من كلمة السيد والقائد صاحب يد السخاء.

1 - تطلق كلمة قماقم على الإناء الصغير من النحاس أو الفضة الذي يوضع فيه ماء الورد، ولا يخفى ما يدل ذلك على الشيء الكريم الذي يوضع في وعاء نفيس، وأهل البيت وعاء الفضل والكرم وعبق الطيب الذي يفوح منهم لمن سار على نهجهم، وأبصر كمالاتهم التي احتوتها أبدانهم الشريفة، وكل من سار على نهجهم كان من أوعية الكمال والحسن كل بحسبه.

2 - وتطلق على من تسنم وعلى الشيء فهو قمقم الطيب مثلا أو التسامح أو العطاء، ولن تجد أحدا تسنم شرف كل كمال وفضل فكان في أعلى درجات العليين مثلهم .

3 - وتطلق على من حاز وجمع من الشيء كله وظفر به بلا فوات لجزء منه، فستجد بين الأنام من حاز الكرم ولكنه ليس بشجاع مثلا، أو أنه معطاء ولكنه حقود وهكذا لا يخلو العباد من المعايب والنقص، وهم من حاز الفضل بأعلى درجاته وبكل أوجهه، فهم - كما نعتقد - أفضل الناس في العلم والحلم والشجاعة والخلق الرفيع والورع وكذا بقية الصفات الحميدة.

4 - وتطلق على البحر لأنه مجمع المياه الكبير، وفي ذلك إشارة لمصداق من مصاديق الحيازة الواسعة الكبيرة، وأهل البيت هم العلم الزاخر ومجمع ومعادن وأوعية الفضل والشأن الرفيع.

5 - وتطلق أيضا على الأمر العظيم والذي يعد قطب الرحى في شأنه ومقامه، والخبير بالأمر والعارف ببواطنه وأسراره، وأهل البيت هم النبأ العظيم وإمامتهم قطب الرحى ونظام الملة، فبدونهم وبلا اعتقاد بإمامتهم وسيادتهم ينتفي الغرض من هداية الناس، قال تعالى: ﴿إنما أنت منذر ولكل قوم هاد﴿الرعد الآية 7، فمن للناس من مرشد وهاد إلى أحكام الله عز وجل وفهم معاني آيات كتابه الكريم!

6 - وتطلق على النجم إذا توسط السماء فإنه يرى على قمة الرأس، وأهل البيت النجم المضي في سماء المعرفة بالله تعالى، قال تعالى: ﴿و بالنجم هم يهتدون﴿النحل الآية 16، وبإشراقة أنوارهم يهتدي الناس إلى الحق، وهم النجوم المتلألئة التي من تمسك بحجزتهم وسار في ركب تعاليمهم ورشدهم اهتدى الطريق وفاز.