آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

كورونا بمذاق طائفي

علي جعفر الشريمي * صحيفة الوطن

منذ أن بدأ فيروس كورونا يأخذ شكل تهديد وجودي كامل لكل البشرية في الكرة الأرضية، أظهر في الحال ذاته طرق تعاملنا مع هذا الاختبار الطبيعي، الذي أخرج أحسن وأسوأ ما فينا، وللأسف طفا على السطح أسوأ ما في النفس من العنف والعبط، وكأننا نتحدث عن نتانة وعفن مختبئين في الأعماق لا تزيدهما الكوارث إلا توهجا. في منطقتنا ضجت الطائفية في وسائل التواصل الاجتماعي خاصةً بعد قدوم إصابات عدة من إيران، وبدأت النقاشات والحوارات كما هي العادة في التشكيك بالولاءات الوطنية حتى تحولت إلى حالة أقرب من «الولولة» منها إلى حوار واضح ومفهوم.

في الحقيقة ليس غريبا أن نقرأ مثل هذه العبارات الطائفية والعنصرية كلما استجد حدث، فالتطرف العنصري الصريح والمباشر لطالما يصرح به الجهلة والحمقى المشوهون إنسانيا على رؤوس الأشهاد. لكن هناك نوع آخر من التطرف في نظري هو الأخطر من سابقه وهو التطرف غير المباشر، والذي يتم التصريح به ضمنا خاصة من البعض الذين يطرحون أنفسهم كمثقفين وطنيين عقلاء يحرصون كل الحرص على أمن وسلامة الوطن، هذه الفئة لا يستطيعون إشهار طائفيتهم وعنصريتهم بصورة معلنة؛ لأن ذلك يضر بسمعتهم كون العنصرية ممقوتة عالميا. هؤلاء وإن كانوا متشوهين وجدانيا، إلا أنهم يمتلكون براعة فائقة في العقل التبريري نتيجة تهافت منطقهم، فيستطيعون برصانة التبرير أن يربطوا الأشياء ببعضها البعض حتى تتماشى مع المنطق السليم. هذه العقلية التمييزية العنصرية لا تنمو عند هؤلاء ولا تقوى دعائمها إلا بوجود عدو حتى وإن كان وهميا وإلا يعيشون فراغا عاطفيا. هي عقلية ينشط فيها هاجس العدو، كورونا مثلاً رُبط بكل بساطة عند هؤلاء بأتباع مذهب معين، وأنهم الأعداء المتربصين بالبلد، هذا النمط من التفكير أصبح جزءا لا يتجزأ من شعورهم الوجداني، وأصبح اللاوعي يحركهم حتى ولو ظهر مخلوق من «الجن» استطاع هؤلاء بكل حرفية أن يلونونه عنصريا، بل ويعزفون موسيقى الكراهية بأوتار الوطنية، فتجد بعضهم يتشمت ويتشفى بالشعب الإيراني عندما جاءهم هذا الوباء، متجاهلين أن عدونا هو الحكومة وليس الشعب، بعض هؤلاء ظهر في أحد الوسائل الإعلامية يقدم طرحا طائفيا، ويرمي جام غضبه على عقائد هؤلاء الذين ذهبوا لدولة ممنوع السفر إليها بغرض الزيارات الدينية، متناسيا أن هناك دولة تحاسبهم بشكل شخصي وليس بشكل طائفي نتن.

ما أود قوله لا يجب أن تترك الساحة العامة لمثل هؤلاء المحرضين بدعاوى الحرص على الوطنية وقد استخدموا فيها عبارات التخوين والعمالة، فهذه تترك للدولة وللجهات المختصة بمؤسساتها السياسية والقانونية. ولك أن تنظر في المقابل كيف تصرفت الدولة إزاء هؤلاء؟ إذ لم تطعن في عقائدهم كما هو في عرف هؤلاء الذين نطلق عليهم للأسف «مثقفون»، بل استطاعت أن تحتوي القضية، وطلبت منهم الإفصاح عن أنفسهم، وبالفعل عادوا سريعا لأحضان الوطن. أخيرا أقول: يجب الإسراع في تفعيل قانون يجرم التمييز بجميع أشكاله ضد الأفراد والجماعات، ومنع الانتقاص منهم بسبب اللون أو الجنس أو العرق أو الطائفة، والحيلولة دون نشر النعرات القبلية والمناطقية والمذهبية والطائفية.